فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء
ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه استسقى على وجوه .
أحدها : يوم الجمعة على المنبر في أثناء خطبته ، وقال ( ) . اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم اسقنا ، اللهم اسقنا ، اللهم اسقنا
الوجه الثاني : ( ) . ثم رفع يديه وأخذ في أنه صلى الله عليه وسلم وعد الناس يوما يخرجون فيه إلى المصلى ، فخرج لما طلعت الشمس متواضعا ، متبذلا ، متخشعا ، مترسلا ، [ ص: 440 ] متضرعا ، فلما وافى المصلى صعد المنبر - إن صح ، وإلا ففي القلب منه شيء - فحمد الله وأثنى عليه وكبره ، وكان مما حفظ من خطبته ودعائه : الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين ، لا إله إلا الله يفعل ما يريد ، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت تفعل ما تريد ، اللهم لا إله إلا أنت أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلته علينا قوة لنا وبلاغا إلى حين وبالغ في الرفع حتى بدا بياض إبطيه ، ثم حول إلى الناس ظهره ، واستقبل القبلة ، وحول إذ ذاك رداءه وهو مستقبل القبلة فجعل الأيمن على الأيسر ، والأيسر على الأيمن ، وظهر الرداء لبطنه ، وبطنه لظهره ، وكان الرداء خميصة سوداء ، وأخذ في الدعاء مستقبل القبلة ، والناس كذلك ، ثم نزل فصلى بهم ركعتين كصلاة العيد من غير أذان ولا إقامة ولا نداء البتة ، جهر فيهما بالقراءة ، وقرأ في الأولى بعد فاتحة الكتاب ( التضرع والابتهال والدعاء سبح اسم ربك الأعلى ) وفي الثانية : ( هل أتاك حديث الغاشية ) .
الوجه الثالث : أنه صلى الله عليه وسلم ( استسقى على منبر المدينة ) استسقاء مجردا في [ ص: 441 ] غير يوم جمعة ، ولم يحفظ عنه صلى الله عليه وسلم في هذا الاستسقاء صلاة .
الوجه الرابع : أنه صلى الله عليه وسلم استسقى وهو جالس في المسجد فرفع يديه ودعا الله عز وجل فحفظ من دعائه حينئذ : ( ) اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريعا طبقا عاجلا غير رائث نافعا غير ضار
الوجه الخامس : أنه صلى الله عليه وسلم ( ) وهي خارج باب المسجد الذي يدعى اليوم باب السلام نحو قذفة حجر ، ينعطف عن يمين الخارج من المسجد . استسقى عند أحجار الزيت قريبا من الزوراء
الوجه السادس : أنه صلى الله عليه وسلم استسقى في بعض غزواته لما سبقه المشركون إلى الماء فأصاب المسلمين العطش ، فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال بعض المنافقين : لو كان نبيا لاستسقى لقومه كما استسقى موسى لقومه ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فقال : ( أوقد قالوها ؟ عسى ربكم أن يسقيكم ثم بسط يديه ودعا ) فما رد يديه من دعائه حتى أظلهم السحاب وأمطروا ، فأفعم السيل الوادي ، فشرب الناس فارتووا .
وحفظ من : ( دعائه في الاستسقاء ) ( اللهم اسق عبادك وبهائمك ، وانشر رحمتك وأحي بلدك الميت ) . وأغيث صلى الله عليه وسلم في كل مرة استسقى فيها . اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريئا مريعا نافعا [ ص: 442 ] غير ضار ، عاجلا غير آجل
واستسقى مرة ، فقام إليه أبو لبابة ، فقال : يا رسول الله إن التمر في المرابد ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أبو لبابة عريانا ، فيسد ثعلب مربده بإزاره فأمطرت فاجتمعوا إلى أبي لبابة ، فقالوا : إنها لن تقلع حتى تقوم عريانا فتسد ثعلب مربدك بإزارك كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ففعل فاستهلت السماء ) اللهم اسقنا حتى يقوم
ولما كثر المطر سألوه الاستصحاء ، فاستصحى لهم ، وقال : ( ) اللهم حوالينا ولا علينا اللهم على الآكام ، والجبال ، والظراب ، وبطون الأودية ، ومنابت الشجر
) . وكان صلى الله عليه وسلم إذا رأى مطرا ، قال : ( اللهم صيبا نافعا
) وكان يحسر ثوبه حتى يصيبه من المطر ، فسئل عن ذلك ، فقال : ( لأنه حديث عهد بربه
قال رحمه الله : أخبرني من لا أتهم عن الشافعي أن [ ص: 443 ] النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سال السيل قال : ( يزيد بن الهاد ) اخرجوا بنا إلى هذا الذي جعله الله طهورا فنتطهر منه ونحمد الله عليه
وأخبرني من لا أتهم ، عن أن إسحاق بن عبد الله عمر كان إذا سال السيل ذهب بأصحابه إليه وقال : ما كان ليجيء من مجيئه أحد إلا تمسحنا به.
وكان صلى الله عليه وسلم إذا رأى الغيم والريح ، عرف ذلك في وجهه فأقبل وأدبر ، فإذا أمطرت سري عنه وذهب عنه ذلك ، وكان يخشى أن يكون فيه العذاب .
قال : وروي الشافعي عن ، عن أبيه مرفوعا أنه كان إذا استسقى قال : ( اللهم اسقنا غيثا مغيثا هنيئا مريئا غدقا مجللا عاما طبقا سحا دائما ، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم إن بالعباد والبلاد والبهائم والخلق من اللأواء والجهد والضنك ما لا نشكوه إلا إليك ، اللهم أنبت لنا الزرع ، وأدر لنا الضرع ، واسقنا من بركات السماء ، وأنبت لنا من بركات الأرض ، اللهم ارفع عنا الجهد والجوع والعري ، واكشف عنا من البلاء ما لا يكشفه غيرك ، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا ، فأرسل السماء علينا مدرارا سالم بن عبد الله )
قال رحمه الله : وأحب أن يدعو الإمام بهذا ، قال : وبلغني أن الشافعي وبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتمطر [ ص: 444 ] في أول مطرة حتى يصيب جسده . النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا في الاستسقاء رفع يديه
قال : وبلغني أن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أصبح وقد مطر الناس ، قال : ( ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها ) ) [ فاطر : 2 ] . مطرنا بنوء الفتح ، ثم يقرأ (
قال : وأخبرني من لا أتهم عن عبد العزيز بن عمر ، عن مكحول ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( اطلبوا استجابة الدعاء عند التقاء الجيوش ، وإقامة الصلاة ، ونزول الغيث ) .
وقد حفظت عن غير واحد طلب الإجابة عند : نزول الغيث وإقامة الصلاة .
قال : وقد روينا في حديث موصول عن البيهقي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ( سهل بن سعد ) الدعاء لا يرد عند النداء ، وعند البأس ، وتحت المطر .
وروينا عن أبي أمامة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( : عند التقاء الصفوف ، وعند نزول الغيث ، وعند إقامة الصلاة ، وعند رؤية الكعبة تفتح أبواب السماء ، ويستجاب الدعاء في أربعة مواطن ) .