فصل في فلما ظهرت براءته ، أمسك عنه حكمه صلى الله عليه وسلم بقتل من اتهم بأم ولده
روى ابن أبي خيثمة وغيرهما من حديث وابن السكن ثابت ، عن أنس رضي الله عنه ، مارية كان يتهم بها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه : " اذهب فإن وجدته عند لعلي بن أبي طالب مارية ، فاضرب عنقه " ، فأتاه علي فإذا هو في ركي يتبرد فيها ، فقال له علي : اخرج ، فناوله يده ، فأخرجه ، فإذا هو مجبوب ، ليس له ذكر ، فكف عنه علي ، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إنه مجبوب ، ما له ذكر . وفي لفظ آخر : أن ابن عم . أنه وجده في نخلة يجمع تمرا ، وهو [ ص: 15 ] ملفوف بخرقة ، فلما رأى السيف ، ارتعد وسقطت الخرقة ، فإذا هو مجبوب لا ذكر له
وقد أشكل هذا القضاء على كثير من الناس ، فطعن بعضهم في الحديث ، ولكن ليس في إسناده من يتعلق عليه ، وتأوله بعضهم على أنه صلى الله عليه وسلم لم يرد حقيقة القتل ، إنما أراد تخويفه ليزدجر عن مجيئه إليها . قال : وهذا كما قال سليمان للمرأتين اللتين اختصمتا إليه في الولد : " " ، ولم يرد أن يفعل ذلك ، بل قصد استعلام الأمر من هذا القول ، ولذلك كان من تراجم الأئمة على هذا الحديث : باب الحاكم يوهم خلاف الحق ليتوصل به إلى معرفة الحق ، فأحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعرف الصحابة براءته ، وبراءة علي بالسكين حتى أشق الولد بينهما مارية ، وعلم أنه إذا عاين السيف ، كشف عن حقيقة حاله ، فجاء الأمر كما قدره رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وأحسن من هذا أن يقال : إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عليا رضي الله عنه بقتله تعزيرا لإقدامه وجرأته على خلوته بأم ولده ، فلما تبين لعلي حقيقة الحال ، وأنه بريء من الريبة ، كف عن قتله ، واستغنى عن القتل بتبيين الحال ، والتعزير بالقتل ليس بلازم كالحد ، بل هو تابع للمصلحة دائر معها وجودا وعدما .