بيان : ما تعظم به الصغائر من الذنوب
اعلم أن الصغيرة تكبر بأسباب ؛ منها الإصرار والمواظبة ، ولذلك قيل : لا صغيرة مع إصرار ، ولا كبيرة مع استغفار ، فكبيرة واحدة تنصرم ولا يتبعها مثلها يكون العفو عنها أرجى من صغيرة يواظب عليها العبد ، ومثال ذلك قطرات من الماء تقع على الحجر على توال فتؤثر فيه وذلك القدر لو صب عليه دفعة واحدة لم يؤثر ، ولذلك قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " " . خير الأعمال أدومها وإن قل
ومنها أن يستصغر الذنب ؛ فإن الذنب كلما استعظمه العبد من نفسه صغر عند الله تعالى ، وكلما استصغره كبر عند الله تعالى ؛ لأن استعظامه يصدر عن نفور القلب عنه ، وذلك النفور يمنع من شدة تأثره به ، واستصغاره يصدر عن الإلف به ، وذلك يوجب شدة الأثر في القلب ، والقلب هو المطلوب تنويره بالطاعات ، والمحذور تسويده بالسيئات ، وقد روي أن المؤمن يرى ذنبه كجبل فوقه يخاف أن يقع عليه ، والمنافق يرى ذنبه كذباب مر على أنفه فأطاره .
وكذلك يعظم من العالم ما لا يعظم من الجاهل ، ويتجاوز عن العامي في أمور لا يتجاوز في أمثالها عن العارف ؛ لأن الذنب والمخالفة يكبر بقدر معرفة المخالف .
ومنها ، فكلما غلبت حلاوة الصغيرة عند العبد كبرت وعظم أثرها في تسويد قلبه ، كمن يقول : أما رأيتني كيف مزقت عرضه ، وكيف فضحته حتى خجلته ، [ ص: 275 ] وكيف روجت عليه الزائف وكيف خدعته ؟ فهذا وأمثاله مما تكبر به الصغائر ، فإن الذنوب مهلكات . السرور بالصغيرة والفرح بها
ومنها أن يتهاون بستر الله عليه وحلمه عنه وإمهاله إياه ، ولا يدري أنه إنما يمهل مقتا ليزداد بالإمهال إثما ، فيظن أن تمكنه من المعاصي عناية من الله به ، وذلك لأمنه من مكر الله وجهله بمكامن الغرور بالله .
ومنها أن يأتي الذنب ويظهره بأن يذكره بعد إتيانه أو يأتيه في مشهد غيره ؛ فإن ذلك جناية منه على ستر الله الذي سدله عليه وتحريك لرغبة الشر فيمن أسمعه ذنبه أو أشهده فعله ، فهما جنايتان انضمتا إلى جناية فتغلظت بهما ، فإن انضاف إلى ذلك ترغيب الغير فيه صارت جناية رابعة وتفاحش الأمر .
ومنها أن يكون المذنب عالما يقتدى به ، فإذا فعله بحيث يرى ذلك منه كبر ذنبه ، وفي الخبر : " " وكما يتضاعف وزر العالم على الذنب فكذلك يتضاعف ثوابه على الحسنات إذا اتبعوا . فحركات المقتدى بفعالهم في طوري الزيادة والنقصان تتضاعف آثارها إما بالربح وإما بالخسران . من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها ، لا ينقص من أوزارهم شيئا