الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
( ومن ) علم الشهور و ( لا يمكنه رؤية ) للهلال ( ولا غيرها ) من إخبار به ( كأسير ) ومسجون ( كمل الشهور ) أي بنى في صيام رمضان بعينه على أن الشهور كلها كاملة كما إذا توالى غيمها وصام رمضان كذلك فهذا حيث عرف رمضان من غيره ولم تلتبس عليه الشهور وإنما التبست عليه معرفة كمال الأهلة ( وإن التبست ) عليه الشهور فلم يعرف رمضان من غيره عرف الأهلة أم لا ( وظن شهرا ) أنه رمضان ( صامه وإلا ) يظن بل تساوت عنده الاحتمالات ( تخير ) شهرا وصامه فإن فعل ما طلب منه فله أحوال أربعة أشار لأولها بقوله ( وأجزأ ما بعده ) أي إن تبين أن ما صامه في صورتي الظن والتخير هو ما بعد رمضان أجزأ ويكون قضاء عنه ونابت نية الأداء عن القضاء ويعتبر في الإجزاء مساواتهما ( بالعدد ) فإن تبين أن ما صامه شوال وكان هو ورمضان كاملين أو ناقصين قضى يوما عن يوم العيد ، وإن كان الكامل رمضان فقط قضى يومين وبالعكس لا قضاء ، وإن تبين أن ما صامه الحجة فإنه لا يعتد بالعيد وأيام التشريق ولثانيها وثالثها بقوله ( لا ) إن تبين أن ما صامه ( قبله ) ولو تعددت السنون [ ص: 520 ] ( أو بقي على شكه ) في صومه لظن أو تخيير فلا يجزئ فيهما وقال ابن الماجشون وأشهب وسحنون يجزيه في البقاء على الشك ; لأن فرضه الاجتهاد وقد فعل ما يجب عليه فهو على الجواز حتى ينكشف خلافه ورجحه ابن يونس ولرابعها بقوله ( وفي ) الإجزاء عند ( مصادفته ) في صومه تخييرا ، وهو المعتمد وعدمه ( تردد ) فإن صادفه في صومه ظنا فجزم اللخمي بالإجزاء من غير تردد

التالي السابق


( قوله كمل الشهور ) أي الواجب في حقه أن يكمل كل شهر ثلاثين يوما فإذا دخل رمضان على مقتضى ذلك العدد صاموا كذلك ثلاثين ( قوله كما إذا توالى غيمها ) أي كما إذا توالى الغيم في شهور كثيرة فإنه يكمل كل شهر ثلاثين يوما فإذا غيمت السماء جمادى الآخرة ورجب وشعبان ورمضان وكمل عدة هذه الشهور ثم تبين له من أهل المعرفة أن الثلاثة الأول ناقصة قضى ثلاثة أيام لتبين أن الثلاثة التي أفطرها من آخر شعبان من رمضان وأن الثلاثة التي صامها في آخر رمضان هي يوم العيد وتاليها ( قوله عرف الأهلة ) أي بأن كان يراه لكن لا يعرف هلال أي شهر هو ، وقوله أم لا أي بأن كان محبوسا تحت الأرض ولم يعرف هو في أي شهر ( قوله وظن شهرا ) أي وترجح عنده شهر أنه رمضان إن قلت كيف يحصل له الظن مع أن المصنف فرض المسألة في الالتباس ، وهو التردد على حد سواء ولا لبس مع الظن قلت مراده بالالتباس عدم التحقق أي فإن لم يتحقق شهرا من الشهور وعدم التحقق صادق بالظن ( قوله تخير شهرا إلخ ) هذا إذا تساوت جميع الشهور عنده في الشك فيها كما في ح والظاهر أن الأكثر كالكل بل ما زاد على الأربعة كالكل أخذ من تحديدهم اليسير بالثلث في غير موضع ، وأما لو شك في شهر قبل صومه هل هو شعبان أو رمضان أو قطع فيما عداهما بأنه غير رمضان صام شهرين ; لأن كلا من الشهرين محتمل لكونه رمضان والذمة لا تبرأ إلا بيقين فإذا صام الشهرين صادف رمضان ولا محالة وكذا لو شك هل هو شعبان أو رمضان أو شوال فإنه يصوم شهرين أيضا فإذا صامهما فلا بد وأن يصادف رمضان ولو شك في شهر هل هو شوال أو رمضان صامه فقط ; لأنه إن كان رمضان فلا إشكال ، وإن كان شوالا كان قضاء له نعم يلزمه أن يقضي يوما عن العيد ; لأن القضاء على احتماله بالعدد ، ولو شك هل هو رجب أو شعبان أو رمضان صام ثلاثة أشهر وكذا يقال في أكثر كما لو شك هل هو رجب أو شعبان أو رمضان أو شوال وبالجملة الشك في رمضان وما بعده يكفيه شهر والشك في رمضان وما قبله يزيد على ما قبله شهرا فإذا زاده فإما أن يصادف رمضان أو قضاءه وما ذكره المصنف من تخيره شهرا إذا تساوت عنده الاحتمالات ولم يظن شهرا هو المشهور وقال ابن بشير يلزمه صوم سنة قياسا على صلاة أربع في التباس القبلة وفرق المشهور بعظم المشقة هنا .

( قوله فإن فعل ما طلب منه ) أي من صومه ما ظن أنه رمضان أو ما تخيره ( قوله فله أحوال أربعة ) ; لأنه إما أن يتبين له أن الشهر الذي ظنه وصامه أو تخيره وصامه رمضان أو بعده أو قبله أو يستمر باقيا على التباسه وعدم تحققه شيئا ( قوله مساواتهما بالعدد ) بأن يكون أيام ذلك الشهر الذي صامه مساويا لأيام رمضان في العدد ( قوله فإنه لا يعتد بالعيد وأيام التشريق ) أي فيقضي أربعة أيام إن كان رمضان والحجة كاملين أو ناقصين على ما مر ( قوله لا قبله ) أي لا ما صامه قبله فلا يجزئ فالمعطوف بلا محذوف ، وهو ما الموصولة وحينئذ فلا عاطف لمفرد على مفرد وظاهر صنيع الشارح أنه من عطف الجمل مع أنه لا لا تعطف الجمل إلا أن يقال حل الشارح حل معنى لا حل إعراب فتأمل ( قوله ولو تعددت إلخ ) أي هذا إذا كان ذلك في سنة واحدة باتفاق بل ، وإن كان في سنين متعددة فلا يجعل شعبان الثاني قضاء عن رمضان الأول لعدم [ ص: 520 ] نية القضاء ولا قضاء عن رمضان الثاني لتقدمه عليه فلا بد من قضاء الجميع على المشهور خلافا لعبد الملك حيث قال بإجزاء ما صامه في العام الثاني قبل رمضان قضاء عن رمضان في العام الأول والقول الأول مبني على أن نية الأداء لا تكفي عن نية القضاء والقول الثاني مبني على أنها تكفي عنها ( قوله أو بقي على شكه ) أي التباسه وعدم تحققه شهرا فلا يجزئ عند ابن القاسم لاحتمال وقوعه قبله ولا تبرأ الذمة إلا بيقين ويجزئ عند أشهب وابن الماجشون وسحنون ورجحه ابن يونس ; لأن فرضه الاجتهاد وقد فعل فهو على الجواز حتى ينكشف خلافه وهذا هو المعول عليه ولم يحك اللخمي خلافه حيث قال ، وإن لم يتبين له شيء ولا حدث له أمر يشككه سوى ما كان عليه أجزأ صومه وإن شك هل كان ما صامه رمضان أو بعده أجزأه ، وإن شك هل كان رمضان أو قبله قضاء ( قوله وفي الإجزاء إلخ ) أي ، وهو ما جزم به اللخمي ونسبه في النوادر لابن القاسم .

( قوله وعدمه ) أي ، وهو ما نسبه ابن رشد لابن القاسم ووجهه مع أنه إذا تبين أنه بعده يجزئ أن ما صادف من الأداء وما بعده من القضاء ويغتفر في القضاء ما لا يغتفر في الأداء ( قوله تردد ) أي بين ابن رشد وابن أبي زيد في النقل عن ابن القاسم ففي البيان فإن علم أنه صادفه لم يجزئه على مذهب ابن القاسم ويجزئه على مذهب أشهب وسحنون ونقل في النوادر عن ابن القاسم الإجزاء إذا صادفه وكذلك صدر صاحب الإشراق بذلك قاله في التوضيح ا هـ قال بن ولو اقتصر المصنف على الإجزاء لكان أولى لضعف القول بعدمه وذكر ما يدل لذلك فانظره ( قوله فجزم اللخمي بالإجزاء من غير تردد ) ظاهره أن التردد إنما هو فيمن اختار شهرا وصامه والحق أن التردد في الظان أيضا ، وإن جزم اللخمي بالإجزاء فيهما وكلام البيان يفيد أن الظان مثل الشاك في جريان الخلاف فالأولى حمل كلام المصنف على المتخير والظان كما قاله شيخنا




الخدمات العلمية