الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
ولما فرغ من الاختياري وما يتعلق به شرع في بيان الضروري بقوله ( والضروري ) أي ابتداؤه ( بعد ) أي عقب وتلو ( المختار ) سمي بذلك لاختصاص جواز التأخير إليه بأرباب الضرورات ويمتد من مبدإ الإسفار الأعلى ( للطلوع في التصحيح ) ( و ) يمتد ضروري الظهر الخاص بها من دخول مختار العصر ويمتد ضروري العصر من دخول الاصفرار ويستمر ( للغروب في الظهرين و ) يمتد ضروري المغرب من مضي ما يسعها وشروطها وضروري العشاء من الثلث الأول ويستمر ( للفجر في العشاءين ) [ ص: 182 ] ( وتدرك فيه ) أي في الضروري ( الصبح ) أداء ووجوبا عند زوال العذر ( بركعة ) بسجدتيها مع قراءة فاتحة قراءة معتدلة وطمأنينة واعتدالا ويجب ترك السنن كالسورة وكذا الاختياري يدرك بركعة ( لا أقل ) من ركعة بسجدتيها خلافا لأشهب ( والكل ) ما فعل أي في الوقت وخارجه ( أداء ) حقيقة لا حكما فمن حاضت أو أغمي عليها في الثانية سقطت عنه لحصول العذر وقت الأداء وكذا لو اقتدى شخص به فيها لبطلت على المأموم لأنها قضاء خلف أداء وقال ابن فرحون وابن قداح بالصحة بناء على أن الثانية أداء حكما وهي قضاء فعلا والتحقيق أنها أداء حكما وبطلان صلاة المقتدي من حيث مخالفة الإمام نية وصفة إذ صفة صلاة الإمام الأداء باعتبار الركعة الأولى وصلاة المأموم القضاء وأنها حاضت فيها لم تسقط لخروج الوقت حقيقة ( و ) تدرك في الضروري المشتركان وهما الظهران والعشاءان ( بفضل ركعة عن ) الصلاة ( الأولى ) عند مالك وابن القاسم لأنه لما وجب تقديمها على الأخرى فعلا وجب التقدير بها ( لا ) بفضلها عن الصلاة ( الأخيرة ) خلافا لابن عبد الحكم وسحنون وغيرهما قالوا لأنه لما كان الوقت إذا ضاق اختص بالأخيرة وسقطت الأولى اتفاقا وجب التقدير بها وتظهر فائدة الخلاف في حائض مسافر [ ص: 183 ] طهرت لثلاث قبل الفجر فعلى المذهب تدرك العشاء وتسقط المغرب وعلى مقابله تدركهما لفضل ركعة عن العشاء المقصورة ولأربع أدركتهما اتفاقا ولاثنتين أدركت الثانية فقط اتفاقا وفي حائض حاضر طهر لأربع قبل الفجر فعلى الأول تدركهما لفضل ركعة عن المغرب وعلى الثاني تدرك العشاء فقط إذا لم يفضل للمغرب شيء في التقدير ولخمس أدركتهما ولثلاث سقطت الأولى اتفاقا فيهما فتمثيل المصنف بقوله ( كحاضر سافر وقادم ) صوابه كحائض مسافرة أو حاضرة طهرت وإلا فظاهره لا يصح لأنه ظاهر في غير ذي العذر ولا يظهر للتقدير فيه بالأولى أو الثانية فائدة لأن المسافر لأربع قبل الفجر يصلي العشاء سفرية على كلا القولين وكذا لأقل لاختصاص الوقت بالأخيرة والقادم لأربع فأقل يصلي العشاء حضرية وأما النهاريتان فلا يظهر بالتقدير بالأولى أو الثانية فائدة لتساويهما ( وأثم ) من أوقع الصلاة كلها في الضروري وإن كان مؤديا ( إلا ) أن يكون تأخيره له ( لعذر ) فلا يأثم

التالي السابق


( قوله : أي عقب وتلو إلخ ) اعلم أن بعد في الأصل ظرف متسع ولما كان يتوهم أن بين الضروري والاختياري مدة متسعة مع أنه ملاصق له دفع الشارح ذلك بجعله بعد بمعنى التلو والعقب فهي هنا مستعملة في معنى مجازي ثم ما ذكره المصنف من أن الضروري عقب المختار في غير أرباب الأعذار والمسافر وأما بالنسبة إليهما فالضروري قد يتقدم على المختار بالنسبة للمشتركة الثانية ( قوله : سمي بذلك ) أي سمي ما بعد المختار بالضروري ( قوله : لاختصاص جواز التأخير إليه بأرباب الضرورات ) أي وإثم غيرهم وإن كان الجميع مؤدين ( قوله : للطلوع ) أي لمبدإ الطلوع ( قوله : من دخول مختار العصر ) أي الخاص بها وهو آخر القامة الأولى أو بعد مضي أربع ركعات الاشتراك من القامة الثانية على الخلاف السابق في أن العصر داخلة على الظهر أو الظهر داخلة على العصر ( قوله : ويستمر للغروب في الظهرين ) هذا يقتضي أن العصر لا تختص بأربع قبل الغروب وهو رواية عيسى وأصبغ عن ابن القاسم ورواية يحيى عنه أنها تختص بأربع قبل الغروب وهو المعتمد فلو صليت الظهر قبل الغروب بأربع كانت فائتة وقضاء وليست حاضرة [ ص: 182 ] ولا أداء على الثاني ويمكن حمل كلام المصنف عليه بأن يقال قوله للغروب باق على حقيقته بالنظر للعصر ويقدر مضاف بالنظر للظهر أي لقرب الغروب وما قيل هنا من الخلاف والتقدير يقال أيضا في قوله وللفجر في العشاءين كذا قرر شيخنا لكن الذي في بن أن المشهور رواية عيسى أعني عدم الاختصاص كما هو ظاهر المصنف ( قوله : وتدرك فيه الصبح بركعة ) حاصله أنه إذا زال العذر كالنوم والإغماء والجنون على ما يأتي وكان الباقي من ضروري الصبح ما يسع ركعة بسجدتها فإنها تكون مدركة من حيث الأداء ويتعلق به وجوب فعلها وإنما خص الصبح بالذكر مع أن الوقت الضروري يدرك بركعة مطلقا كان للصبح أو لغيرها لأن غيرها يؤخذ من قوله بفضل ركعة عن الأولى إن كانت متعددة وإلا فبركعة ( قوله : مع قراءة الفاتحة ) أي إن قلنا بوجوبها في كل ركعة أما على القول بوجوبها في الجل فالمعتبر ركعة ولو من غير فاتحة ( قوله : ويجب ترك السنن كالسورة ) أي وكالاعتدال على القول بسنيته ( قوله : وكذا الاختياري يدرك بركعة ) أي على المعتمد وهو أولى من إدراك الضروري بركعة لأنه هنا بقية الصلاة تقع في الوقت وإن كان ضروريا بخلافها في الضروري فإن بعضها يقع خارج الوقت ( قوله : خلافا لأشهب ) أي حيث قال إن الضروري يدرك بالركوع وحده وللمبالغة في الرد عليه صرح المصنف بقوله لا أقل وإن كان يكفي في الرد قوله بركعة تأمل .

( تنبيه ) كون الوقت لا يدرك بأقل من ركعة لا ينافي ما قدمه من أن الوقت ممتد للطلوع والغروب والفجر لأن وقت الصلاة أمر مغاير لإدراكها فلا يلزم من وجوده وجوده قاله شيخنا ( قوله : في الثانية ) أي في الركعة الثانية الحاصلة خارج الوقت ( قوله : فيها ) أي في الثانية الحاصلة خارج الوقت ( قوله : وهي قضاء فعلا ) الأولى حقيقة وعلى هذا القول لو حاضت في الركعة الثانية أو أغمي عليها فيها وجب القضاء ويصح الاقتداء به فيها فهو قضاء خلف قضاء وثمرة كون الأداء حكما رفع الإثم فقط .

وورد على كلام ابن قداح إشكال وهو أن نية الإمام مخالفة لنية المأموم الذي دخل معه في الركعة الثانية بعد الوقت لأن الإمام ناو للأداء والمأموم ناو للقضاء .

وأجيب بأن نية الأداء تنوب عن نية القضاء وعكسه على ما قاله البرزلي من أنه المذهب وظاهره ولو فعل ذلك عمدا متلاعبا أو سهوا لا على ما يأتي في قوله والأداء أو ضده مما يفيد خلافه فلذا قال الشارح والتحقيق إلخ ( قوله : لم تسقط ) أي بل يقضيها وهذا قول محمد بن سحنون عن أبيه واستظهره ابن قداح وح وقال الباجي واللخمي أنه أقيس وأما ما تقدم من سقوط الصلاة لحصول العذر وقت الأداء فهو قول أصبغ وشهره اللخمي كما في المواق انظر بن ( قوله : بفضل ركعة ) أي بركعة [ ص: 183 ] فاضلة أي زائدة عن الصلاة الأولى ( قوله : طهرت لثلاث قبل الفجر إلخ ) أي وأما إذا طهرت لثلاث قبل الغروب فقد أدركت الظهرين اتفاقا وكذا الأربع وأما إذا طهرت لاثنتين فقد أدركت الثانية من الظهرين اتفاقا وسقطت الأولى وهذا معنى قول الشارح فيما يأتي وأما النهاريتان إلخ ( قوله : فعلى المذهب تدرك العشاء وتسقط المغرب ) وذلك لأننا لو قدرنا بالأولى لم يبق للثانية شيء والوقت إذا ضاق يختص بالأخيرة فيكون الوقت الباقي الذي يسع ثلاث ركعات للأخيرة وتسقط الأولى ( قوله : ولأربع ) أي وإذا طهرت أدركتهما لأربع اتفاقا لأنه إن قدر بالأولى فضلت ركعة للثانية وإن قدر بالثانية فضلت ركعتان للأولى ( قوله : ولاثنتين ) أي وإذا طهرت لاثنتين أدركت الثانية فقط اتفاقا لأنها إن قدرت بالأولى لم يبق للثانية شيء وإن قدرت بالثانية لم يبق للأولى شيء والوقت إذا ضاق اختص بالأخيرة ( قوله : طهر لأربع قبل الفجر ) ذكر باعتبار الشخص وأما لو طهرت لأربع فأقل قبل الغروب فقد أدركت ثاني الظهرين اتفاقا وسقطت الأولى ولخمس أدركتهما اتفاقا وكذا ما زاد على الخمس ( قوله : فعلى الأول تدركهما ) أي لأنها إذا قدرت بالأولى بقي للثانية ركعة فتكون قد طهرت في وقتهما ( قوله : كحاضر سافر وقادم ) الظاهر أن هذا تشبيه لبيان ما يدرك به القصر والإتمام كما شرح به المواق واختاره ابن عاشر والشيخ ميارة ونصه ومعنى كلام المؤلف أنه كما تدرك الصلاتان معا بفضل ركعة عن إحداهما وإلا أدركت الثانية فقط كذلك يدرك حكم الحضر والسفر بفضل ركعة عن إحداهما وإلا أدركت الثانية فقط فيقصرها من سافر ويتمها من حضر من سفره فلو سافر لثلاث قبل الغروب صلاهما سفريتين وإن سافر قبل الغروب لأقل من ثلاث فالعصر سفرية والظهر حضرية ولو قدم لخمس فأكثر صلاهما حضريتين ولما دونها صلى العصر حضرية والظهر سفرية وهذا ظاهر قول المصنف كحاضر سافر وقادم وما ذكره عج ومن تبعه من أن قوله كحاضر سافر إلخ تمثيل ثم اعترض بأن ظاهره لا يصح وصوبه بما قاله الشارح فهو تكلف انتهى بن ( قوله : لاختصاص الوقت بالأخيرة ) بمعنى أن الوقت إذا ضاق يجب عليه الأخيرة .

إن قلت هذا يقتضي أن آخر الوقت تختص به الثانية اتفاقا وهذا خلاف ما ذكره ابن عرفة وغيره من الخلاف ونص ابن عرفة وفي اختصاص العصر بأربع قبل الغروب عن الطهر وعدمه قولان الأول لسماع يحيى والثاني لسماع عيسى وأصبغ من ابن القاسم .

قلت لا منافاة لأن الاختصاص متفق عليه باعتبار الوجوب أو السقوط لارتفاع العذر أو طروه باعتبار القصر والإتمام ومختلف فيه باعتبار الأداء وعدمه بمعنى أن الأولى إذا وقعت آخر الوقت فهي أداء بناء على عدم الاختصاص وهو المشهور وقضاء على مقابله انتهى بن ( قوله : وأما النهاريتان ) أي سواء كانتا حضريتين أو سفريتين كان هناك عذر أم لا فلا يظهر بالتقدير بالأولى منهما أو بالثانية فائدة كما أنه لا تظهر فائدة في الليلتين إذا لم يكن عذر كان الشخص بحضر أو سفر وإنما تظهر الفائدة بالتقدير بالأولى أو الثانية من الليلتين إذا كان هناك عذر كحيض سواء كانت المرأة بحضر أو سفر فالأحوال ثمانية ستة لا يظهر فيها فائدة واثنان تظهر فيهما الفائدة ( قوله : من أوقع الصلاة كلها في الضروري ) أي وأما لو أوقع بعضا منها ولو ركعة في الاختياري وباقيها في الضروري فلا إثم ( قوله : إلا أن يكون تأخيره له ) أي للضروري




الخدمات العلمية