27 - فتح المغالق من أنت تالق
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى . وقع السؤال عمن
nindex.php?page=treesubj&link=11706قال لزوجته : أنت تالق ، ناويا به الطلاق هل يقع به طلاق ؟ فأجبت : الذي عندي أنه إن نوى به الطلاق وقع سواء كان عاميا أو فقيها ، ولا يقال : إنه بمنزلة ما لو قال : أنت فالق ، أو مالق ، فإنه لا يقع به شيء ؛ لأن حرف التاء قريب من مخرج الطاء ، ويبدل كل منهما من الآخر في كثير من الألفاظ ، فأبدلت الطاء تاء في قولهم : طرت يده ، وترت يده ؛ أي : سقطت ، وضرب يده بالسيف ، فأطرها وأترها ؛ أي : قطعها وأندرها ، والتقطر : التهيؤ للقتال ، والتقتر لغة فيه ، ويقال في القمطرة : كمترة ، بإبدال القاف كافا والطاء تاء ، وفي القسط : كست كذلك ، ويقال في ذاطه ؛ أي خنقه أشد الخنق حتى دلع لسانه : ذاته ، بالتاء ، ويقال : غلط وغلت ، لغتان بمعنى ، ويقال في الفسطاط : فستاط ، في ألفاظ أخر مذكورة في كتب اللغة والكتب المؤلفة في الإبدال ، وأبدلت التاء طاء في نحو : مصطفى ومضطر ومطعن ومظطلم واطيرنا ، إلى ما لا يحصى ، فثبت بذلك أن التاء والطاء حرفان متعاوران ، وينضم إلى هذا الوضع العربي مع النية العرف وشهرة ذلك في ألسنة العوام كثيرا ؛ ولشهرة اللفظ في الألسنة مدخل كبير في الطلاق ، اعتبره الفقهاء في عدة مسائل ، فهذه ثلاثة أمور مقوية لوقوع الطلاق في هذا القسم ، فإن كان اللافظ بذلك عاميا حصل أمر رابع في التقوية .
فإن قال قائل : هذا اللفظ ليس من الصرائح ولا من الكنايات ، فلا يقع به شيء ، قلنا : أقل مراتبه أن يكون من الكنايات ، فإن أصل اللفظ بالطاء صريح ، وخرج إلى حيز
[ ص: 251 ] الكناية بإبدال حرف الطاء تاء ، ويؤيد ذلك من المنقول عام وخاص ، فالعام : قال في الروضة : فرع : إذا اشتهر في الطلاق لفظ سوى الألفاظ الثلاثة الصريحة ، كـ"
nindex.php?page=treesubj&link=11715حلال الله علي حرام " ، أو "
nindex.php?page=treesubj&link=33373أنت علي حرام " ، أو "
nindex.php?page=treesubj&link=11715الحل علي حرام " ، ففي التحاقه بالصريح أوجه ، أصحها : نعم ؛ لحصول التفاهم وغلبة الاستعمال ، وبهذا قطع البغوي وعليه تنطبق فتاوى
القفال والقاضي حسين والمتأخرين .
والثاني : لا ، ورجحه
المتولي . والثالث حكاه الإمام عن
القفال أنه إن نوى شيئا آخر من طعام وغيره ، فلا طلاق ، وإذا ادعاه صدق ، وإن لم ينو شيئا ، فإن كان فقيها يعلم أن الكناية لا تعمل إلا بالنية لم يقع ، وإن كان عاميا سألناه عما يفهم منه إذا سمعه من غيره ، فإن قال : يسبق إلى فهمي منه الطلاق ، حمل على ما يفهمه ، والذي حكاه
المتولي عن
القفال أنه إن نوى غير الزوجة فذاك ، وإلا يقع الطلاق للعرف .
قلت : الأرجح الذي قطع به العراقيون المتقدمون أنه كناية مطلقا ، والله أعلم . وأما البلاد التي يشتهر فيها اللفظ للطلاق ، فهو كناية في حق أهلها بلا خلاف . انتهى .
فانظر كيف صدر الفرع بضابط وهو أن يشتهر في الطلاق لفظ ، ولم يخصه بلفظ دون لفظ ، ولا يظن أحد اختصاصه بلفظ " الحلال علي حرام " ونحوه ، فإنما ذكر هذه على سبيل التمثيل ، فالضابط لفظ يشتهر في بلد أو فريق استعماله في الطلاق ، وهذا اللفظ اشتهر في ألسنة العوام استعماله فيه ، فهو كناية في حقهم عند
النووي وصريح عند
الرافعي ، وأما في حق غيرهم من الفقهاء وعوام بلد لم يشتهر ذلك في لسانهم ، فهو كناية ، ولا يأتي قول بأنه صريح ، فإن نظر ناظر إلى أن الفقهاء لم ينبهوا على هذا اللفظ في كتبهم . قلنا : الفقهاء لم يستوفوا كل الكنايات بل عددوا منها جملا ، ثم أشاروا إلى ما لم يذكروه بضابط ، وقد استنبط
البلقيني من حديث قول
إبراهيم لامرأة ابنه
إسماعيل عليهما السلام : قولي له : "يغير عتبة بابه" إن هذه اللفظة من كنايات الطلاق ، ولم ينص على هذه اللفظة أحد قبله ، ولعل الفقهاء إنما سكتوا عن التعرض للفظة تالق لكونها لم تقع في زمنهم ، وإنما حدث ذلك في ألسنة العامة من المتأخرين ، وأما من قال : إن تالقا من التلاق وهو معنى غير الطلاق ، فكلامه أشد سقوطا من أن يتعرض لرد ، فإن التلاق لا يبنى منه وصف على فاعل ، وأما الخاص ففي الروضة وأصلها في مسائل منثورة عن زيادات
العبادي : ولو
nindex.php?page=treesubj&link=11715قال : أنت طال ، وترك القاف طلقت حملا على الترخيم ، وقال
البوشنجي : ينبغي أن لا يقع وإن نوى ، فإن قال : يا طال ، ونوى وقع ؛ لأن الترخيم إنما يقع في النداء ، فأما في غير النداء فلا يقع إلا نادرا في الشعر . انتهى .
وإبدال الحرف أقرب إلى الوقوع من حذفه بالكلية ، قال
الإسنوي في
[ ص: 252 ] الكوكب : ولم يبين
الرافعي المراد بهذه النية ، فيحتمل أن يكون المراد بها نية الطلاق ، وأن يكون المراد نية الحذف من طالق . قلت : فإن أريد الأول كان كناية أو الثاني كان صريحا ، فإن قلت : الحذف معهود لغة وفقها بهذا الفرع ، والإبدال وإن عهد لغة لم يعهد فقها ، ففي أي فرع اعتبر الفقهاء بالإبدال ؟ قلت : في فروع ، قال
الإسنوي في الكوكب : إبدال الهاء من الحاء لغة قليلة ، وكذلك إبدال الكاف من القاف ، فمن فروع الأول : إذا
nindex.php?page=treesubj&link=22734قرأ في الفاتحة ( الهمد لله ) بالهاء عوضا عن الحاء ، فإن الصلاة تصح ، كما قاله
القاضي حسين في باب صفة الصلاة من تعليقه ، ونقله عنه
ابن الرفعة في الكفاية ، وأما الثاني فمن فروعه : إذا
nindex.php?page=treesubj&link=22734قرأ ( المستقيم ) بالقاف المعقودة المشبهة للكاف ، فإنها تصح أيضا ، كما ذكره
الشيخ نصر المقدسي في كتابه المقصود ،
والروياني في الحلية ، ونقله عنه
النووي في شرح المهذب ، وجزم به
ابن الرفعة في الكفاية ، قال
الإسنوي : والصحة في أمثال هذه الأمور لأجل وروده في اللغة ، وبقاء الكلمة على مدلولها أظهر بخلاف الإتيان بالدال المهملة في ( الذين ) عوضا عن المعجمة ، فإن إطلاق
الرافعي وغيره يقتضي البطلان ، وأنه لا يأتي فيه الخلاف في إبدال الضاد ظاء ، وسببه عسر التمييز في المخرج . انتهى .
( فصل )
فإن لم ينو به الطلاق ، فله حالان : أحدهما أن ينوي به الصرف عن الطلاق ، ولا شك أنه لا يقع شيء والحالة هذه ، ولو قيل بأن ذلك يقبل من الفقيه ويدين فيه العامي ، فيؤاخذ به ظاهرا ولا يقع باطنا ، لم يكن ببعيد ، وهذا لا يتأتى على القول بأنه كناية ؛ لأن الكناية لا تديين فيها ، وإنما يتأتى إن جعلناه صريحا وهو قوي جدا ، أما على رأي
الرافعي في اللفظ الذي اشتهر فواضح ، وأما على ما صححه
النووي فهذا لمن تأمله أقوى من لفظ " الحلال علي حرام " ، فإن ذاك لفظ آخر غير لفظ الطلاق ، ويحتمل معاني ، وأما لفظ " تالق " يحتمل معنى آخر ، وإنما هو لفظ الطلاق أبدل منه حرف بحرف مقارب له في المخرج ، ويؤيد جعله صريحا ما أشار إليه
الإسنوي في : أنت طال ، على إرادة نية المحذوف بالطلاق ، ويؤيده صحة الصلاة بـ ( الهمد لله ) فإنه صريح في أن الحرف المبدل قائم مقام الحرف المبدل منه من كل وجه ، فيستمر اللفظ على صراحته كما استمر ذلك اللفظ معتدا به في القراءة بل أولى ؛ لأن باب الصلاة وإبطالها بسقوط حرف من الفاتحة أضيق وباب القراءة أشد ضيقا ، فإن القراءة لا تجوز بالمعنى ولا بالمرادف بل ولا بالشاذ الذي قرئ به في الجملة ، ولم يقرأ أحد قط ( الهمد لله ) بالهاء ، فقولهم بالصحة والحالة هذه لمجرد الإبدال بالحرف المقارب أدل دليل على أن الإبدال بما ذكر لا يخرج اللفظ
[ ص: 253 ] عن معناه الموضوع له ، فانشرح الصدر بذلك إلى القول بصراحة هذا اللفظ ، والله أعلم .
ولا يلزمنا طرد ذلك في الفقيه ؛ لأن هذا الإبدال ليس من نعته ولا من عادته ، فقبل قوله في عدم إرادته وكان في حقه كالكناية لا يعمل إلا بالنية .
الحال الثاني : أن لا ينوي شيئا بل يطلق ، والوقوع في هذه الحالة في حق العامي باطنا له وجه مأخذه الصراحة أو الشبه بالصراحة ، وأما ظاهرا فأقوى بل ينبغي أن يجزم به ، وفي حق الفقيه محل توقف .
( فرع ) أما لو
nindex.php?page=treesubj&link=11715قال : علي التلاق ، بالتاء ، فهو كناية قطعا في حق كل أحد العامي والفقيه ، فإن نوى فطلاق وإلا فلا ، والفرق بينه وبين تالق أن تالقا لا معنى له يحتمله ، والتلاق له معنى يحتمله .
( فرع ) ولو
nindex.php?page=treesubj&link=11715قال : أنت دالق ، بالدال ، فيمكن أن يأتي فيه ما في تالق ، بالتاء ؛ لأن الدال والطاء أيضا متعاوران في الإبدال ، إلا أن هذا اللفظ لم يشتهر في الألسنة كاشتهار تالق ، فلا يمكن أن يأتي فيه القول بالوقوع مع فقد النية أصلا مع أن لدالق معنى غير الطلاق ، يقال : سيف دالق : إذا كان سلس الخروج من غمده ، ورجل دالق : كثير الغارات .
( فرع ) ولو
nindex.php?page=treesubj&link=11715قال : أنت طالق ، بالقاف المعقودة قريبة من الكاف كما يلفظ بها العرب ، فلا شك في الوقوع ، فلو أبدلها كافا صريحة ، فقال طالك ، فيمكن أن يكون كما لو قال : تالق ، بالتاء ، إلا أنه ينحط عنه بعدم الشهرة على الألسنة ، فالظاهر أنه كدالق بالدال إلا أنه لا معنى له يحتمله ، وتعاور القاف والكاف كثير في اللغة ، وقد قرئ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=11وإذا السماء كشطت ) و : قشطت ، وتقدم أنه يقال في قسط : كسط ، وفي قمطرة : كمترة .
( فرع ) فلو أبدل الحرفين ، فقال : تالك ، بالتاء والكاف ، فيحتمل أن يكون كناية ، إلا أنه أضعف من جميع الألفاظ السابقة ، ثم إنه لا معنى له محتمل ، ولو قال ذلك بالدال والكاف ، فهو أضعف من تالك ، مع أن له معاني محتملة ، منها المماطلة للغريم ، ومنها المساحقة ، يقال : تدالكت المرأتان : إذا تساحقتا ، فيكون كناية قذف بالمساحقة ، والحاصل أن هنا ألفاظا بعضها أقوى من بعض ، فأقواها تالق ، ثم دالق ، وفي رتبتها طالك ، ثم تالك ، ثم دالك ، وهي أبعدها ، والظاهر القطع بأنها لا تكون كناية طلاق أصلا ، ثم رأيت المسألة منقولة في كتب الحنفية ، قال صاحب الخلاصة : وفي الفتاوى : رجل
nindex.php?page=treesubj&link=11715قال لامرأته : أنت تالق أو تالغ أو طالغ أو تالك ، عن
الشيخ الإمام الجليل أبي بكر محمد بن الفضل أنه يقع وإن تعمد وقصد أن لا يقع ، ولا يصدق قضاء ، ويصدق ديانة ، إلا إذا أشهد قبل أن يتلفظ ، وقال :
[ ص: 254 ] إن امرأتي تطلب مني الطلاق ولا ينبغي لي أن أطلقها ، فأتلفظ بها قطعا لعلتها وتلفظ وشهدوا بذلك عند الحاكم ، لا يحكم بالطلاق ، وكان في الابتداء يفرق بين الجاهل والعالم كما هو جواب
شمس الأئمة الحلواني ، ثم رجع إلى ما قلنا وعليه الفتوى .
27 - فَتْحُ الْمَغَالِقِ مِنْ أَنْتِ تَالِقٌ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى . وَقَعَ السُّؤَالُ عَمَّنْ
nindex.php?page=treesubj&link=11706قَالَ لِزَوْجَتِهِ : أَنْتِ تَالِقٌ ، نَاوِيًا بِهِ الطَّلَاقَ هَلْ يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ ؟ فَأَجَبْتُ : الَّذِي عِنْدِي أَنَّهُ إِنْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ وَقَعَ سَوَاءٌ كَانَ عَامِّيًّا أَوْ فَقِيهًا ، وَلَا يُقَالُ : إِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ فَالِقٌ ، أَوْ مَالِقٌ ، فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ حَرْفَ التَّاءِ قَرِيبٌ مِنْ مَخْرَجِ الطَّاءِ ، وَيُبْدَلُ كُلٌّ مِنْهُمَا مِنَ الْآخَرِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَلْفَاظِ ، فَأُبْدِلَتِ الطَّاءُ تَاءً فِي قَوْلِهِمْ : طُرَّتْ يَدُهُ ، وَتُرَّتْ يَدُهُ ؛ أَيْ : سَقَطَتْ ، وَضَرَبَ يَدَهُ بِالسَّيْفِ ، فَأَطَرَّهَا وَأَتَرَّهَا ؛ أَيْ : قَطَعَهَا وَأَنْدَرَهَا ، وَالتَّقَطُّرُ : التَّهَيُّؤُ لِلْقِتَالِ ، وَالتَّقَتُّرُ لُغَةٌ فِيهِ ، وَيُقَالُ فِي الْقِمَطْرَةِ : كِمَتْرَةٌ ، بِإِبْدَالِ الْقَافِ كَافًا وَالطَّاءِ تَاءً ، وَفِي الْقِسْطِ : كِسْتٌ كَذَلِكَ ، وَيُقَالُ فِي ذَاطَهُ ؛ أَيْ خَنَقَهُ أَشَدَّ الْخَنْقِ حَتَّى دَلَعَ لِسَانُهُ : ذَاتَهُ ، بِالتَّاءِ ، وَيُقَالُ : غَلِطَ وَغَلِتَ ، لُغَتَانِ بِمَعْنًى ، وَيُقَالُ فِي الْفُسْطَاطِ : فُسْتَاطٌ ، فِي أَلْفَاظٍ أُخَرَ مَذْكُورَةٍ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ وَالْكُتُبِ الْمُؤَلَّفَةِ فِي الْإِبْدَالِ ، وَأُبْدِلَتِ التَّاءُ طَاءً فِي نَحْوِ : مُصْطَفًى وَمُضْطَرٍّ وَمُطَّعِنٍ وَمُظْطَلِمٍ وَاطَّيَّرْنَا ، إِلَى مَا لَا يُحْصَى ، فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ التَّاءَ وَالطَّاءَ حَرْفَانِ مُتَعَاوِرَانِ ، وَيَنْضَمُّ إِلَى هَذَا الْوَضْعِ الْعَرَبِيِّ مَعَ النِّيَّةِ الْعُرْفُ وَشُهْرَةُ ذَلِكَ فِي أَلْسِنَةِ الْعَوَامِّ كَثِيرًا ؛ وَلِشُهْرَةِ اللَّفْظِ فِي الْأَلْسِنَةِ مَدْخَلٌ كَبِيرٌ فِي الطَّلَاقِ ، اعْتَبَرَهُ الْفُقَهَاءُ فِي عِدَّةِ مَسَائِلَ ، فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ مُقَوِّيَةٍ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ فِي هَذَا الْقَسَمِ ، فَإِنْ كَانَ اللَّافِظُ بِذَلِكَ عَامِّيًّا حَصَلَ أَمْرٌ رَابِعٌ فِي التَّقْوِيَةِ .
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : هَذَا اللَّفْظُ لَيْسَ مِنَ الصَّرَائِحِ وَلَا مِنَ الْكِنَايَاتِ ، فَلَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ ، قُلْنَا : أَقَلُّ مَرَاتِبِهِ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْكِنَايَاتِ ، فَإِنَّ أَصْلَ اللَّفْظِ بِالطَّاءِ صَرِيحٌ ، وَخَرَجَ إِلَى حَيِّزِ
[ ص: 251 ] الْكِنَايَةِ بِإِبْدَالِ حَرْفِ الطَّاءِ تَاءً ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مِنَ الْمَنْقُولِ عَامٌّ وَخَاصٌّ ، فَالْعَامُّ : قَالَ فِي الرَّوْضَةِ : فَرْعٌ : إِذَا اشْتُهِرَ فِي الطَّلَاقِ لَفْظٌ سِوَى الْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ الصَّرِيحَةِ ، كَـ"
nindex.php?page=treesubj&link=11715حَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ " ، أَوْ "
nindex.php?page=treesubj&link=33373أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ " ، أَوِ "
nindex.php?page=treesubj&link=11715الْحِلُّ عَلَيَّ حَرَامٌ " ، فَفِي الْتِحَاقِهِ بِالصَّرِيحِ أَوْجُهٌ ، أَصَحُّهَا : نَعَمْ ؛ لِحُصُولِ التَّفَاهُمِ وَغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ ، وَبِهَذَا قَطَعَ الْبَغَوِيُّ وَعَلَيْهِ تَنْطَبِقُ فَتَاوَى
القفال والقاضي حسين وَالْمُتَأَخِّرِينَ .
وَالثَّانِي : لَا ، وَرَجَّحَهُ
المتولي . وَالثَّالِثُ حَكَاهُ الْإِمَامُ عَنِ
القفال أَنَّهُ إِنْ نَوَى شَيْئًا آخَرَ مِنْ طَعَامٍ وَغَيْرِهِ ، فَلَا طَلَاقَ ، وَإِذَا ادَّعَاهُ صُدِّقَ ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا ، فَإِنْ كَانَ فَقِيهًا يَعْلَمُ أَنَّ الْكِنَايَةَ لَا تَعْمَلُ إِلَّا بِالنِّيَّةِ لَمْ يَقَعْ ، وَإِنْ كَانَ عَامِّيًّا سَأَلْنَاهُ عَمَّا يَفْهَمُ مِنْهُ إِذَا سَمِعَهُ مِنْ غَيْرِهِ ، فَإِنْ قَالَ : يَسْبِقُ إِلَى فَهْمِي مِنْهُ الطَّلَاقُ ، حُمِلَ عَلَى مَا يَفْهَمُهُ ، وَالَّذِي حَكَاهُ
المتولي عَنِ
القفال أَنَّهُ إِنْ نَوَى غَيْرَ الزَّوْجَةِ فَذَاكَ ، وَإِلَّا يَقَعُ الطَّلَاقُ لِلْعُرْفِ .
قُلْتُ : الْأَرْجَحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ الْمُتَقَدِّمُونَ أَنَّهُ كِنَايَةٌ مُطْلَقًا ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ . وَأَمَّا الْبِلَادُ الَّتِي يَشْتَهِرُ فِيهَا اللَّفْظُ لِلطَّلَاقِ ، فَهُوَ كِنَايَةٌ فِي حَقِّ أَهْلِهَا بِلَا خِلَافٍ . انْتَهَى .
فَانْظُرْ كَيْفَ صَدَرَ الْفَرْعُ بِضَابِطٍ وَهُوَ أَنْ يَشْتَهِرَ فِي الطَّلَاقِ لَفْظٌ ، وَلَمْ يَخُصُّهُ بِلَفْظٍ دُونَ لَفْظٍ ، وَلَا يَظُنُّ أَحَدٌ اخْتِصَاصَهُ بِلَفْظِ " الْحَلَالُ عَلَيَّ حَرَامٌ " وَنَحْوِهِ ، فَإِنَّمَا ذَكَرَ هَذِهِ عَلَى سَبِيلِ التَّمْثِيلِ ، فَالضَّابِطُ لَفْظٌ يَشْتَهِرُ فِي بَلَدٍ أَوْ فَرِيقٍ اسْتِعْمَالُهُ فِي الطَّلَاقِ ، وَهَذَا اللَّفْظُ اشْتُهِرَ فِي أَلْسِنَةِ الْعَوَامِّ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ ، فَهُوَ كِنَايَةٌ فِي حَقِّهِمْ عِنْدَ
النووي وَصَرِيحٌ عِنْدَ
الرافعي ، وَأَمَّا فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَعَوَامِّ بَلَدٍ لَمْ يَشْتَهِرْ ذَلِكَ فِي لِسَانِهِمْ ، فَهُوَ كِنَايَةٌ ، وَلَا يَأْتِي قَوْلٌ بِأَنَّهُ صَرِيحٌ ، فَإِنْ نَظَرَ نَاظِرٌ إِلَى أَنَّ الْفُقَهَاءَ لَمْ يُنَبِّهُوا عَلَى هَذَا اللَّفْظِ فِي كُتُبِهِمْ . قُلْنَا : الْفُقَهَاءُ لَمْ يَسْتَوْفُوا كُلَّ الْكِنَايَاتِ بَلْ عَدَّدُوا مِنْهَا جُمَلًا ، ثُمَّ أَشَارُوا إِلَى مَا لَمْ يَذْكُرُوهُ بِضَابِطٍ ، وَقَدِ اسْتَنْبَطَ
البلقيني مِنْ حَدِيثِ قَوْلِ
إِبْرَاهِيمَ لِامْرَأَةِ ابْنِهِ
إِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ : قُولِي لَهُ : "يُغَيِّرُ عَتَبَةَ بَابِهِ" إِنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ مِنْ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ ، وَلَمْ يَنُصَّ عَلَى هَذِهِ اللَّفْظَةِ أَحَدٌ قَبْلَهُ ، وَلَعَلَّ الْفُقَهَاءَ إِنَّمَا سَكَتُوا عَنِ التَّعَرُّضِ لِلَفْظَةِ تَالِقٍ لِكَوْنِهَا لَمْ تَقَعْ فِي زَمَنِهِمْ ، وَإِنَّمَا حَدَثَ ذَلِكَ فِي أَلْسِنَةِ الْعَامَّةِ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ : إِنَّ تَالِقًا مِنَ التَّلَاقِ وَهُوَ مَعْنًى غَيْرُ الطَّلَاقِ ، فَكَلَامُهُ أَشَدُّ سُقُوطًا مِنْ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِرَدٍّ ، فَإِنَّ التَّلَاقِ لَا يُبْنَى مِنْهُ وَصْفٌ عَلَى فَاعِلٍ ، وَأَمَّا الْخَاصُّ فَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فِي مَسَائِلَ مَنْثُورَةٍ عَنْ زِيَادَاتِ
العبادي : وَلَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=11715قَالَ : أَنْتِ طَالِ ، وَتَرَكَ الْقَافَ طَلُقَتْ حَمْلًا عَلَى التَّرْخِيمِ ، وَقَالَ
البوشنجي : يَنْبَغِي أَنْ لَا يَقَعَ وَإِنْ نَوَى ، فَإِنْ قَالَ : يَا طَالِ ، وَنَوَى وَقَعَ ؛ لِأَنَّ التَّرْخِيمَ إِنَّمَا يَقَعُ فِي النِّدَاءِ ، فَأَمَّا فِي غَيْرِ النِّدَاءِ فَلَا يَقَعُ إِلَّا نَادِرًا فِي الشِّعْرِ . انْتَهَى .
وَإِبْدَالُ الْحَرْفِ أَقْرَبُ إِلَى الْوُقُوعِ مِنْ حَذْفِهِ بِالْكُلِّيَّةِ ، قَالَ
الإسنوي فِي
[ ص: 252 ] الْكَوْكَبِ : وَلَمْ يُبَيِّنِ
الرافعي الْمُرَادَ بِهَذِهِ النِّيَّةِ ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهَا نِيَّةَ الطَّلَاقِ ، وَأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ نِيَّةَ الْحَذْفِ مِنْ طَالِقٍ . قُلْتُ : فَإِنْ أُرِيدَ الْأَوَّلُ كَانَ كِنَايَةً أَوِ الثَّانِي كَانَ صَرِيحًا ، فَإِنْ قُلْتَ : الْحَذْفُ مَعْهُودٌ لُغَةً وَفِقْهًا بِهَذَا الْفَرْعِ ، وَالْإِبْدَالُ وَإِنْ عُهِدَ لُغَةً لَمْ يُعْهَدْ فِقْهًا ، فَفِي أَيِّ فَرْعٍ اعْتَبَرَ الْفُقَهَاءُ بِالْإِبْدَالِ ؟ قُلْتُ : فِي فُرُوعٍ ، قَالَ
الإسنوي فِي الْكَوْكَبِ : إِبْدَالُ الْهَاءِ مِنَ الْحَاءِ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ ، وَكَذَلِكَ إِبْدَالُ الْكَافِ مِنَ الْقَافِ ، فَمِنْ فُرُوعِ الْأَوَّلِ : إِذَا
nindex.php?page=treesubj&link=22734قَرَأَ فِي الْفَاتِحَةِ ( الْهَمْدُ لِلَّهِ ) بِالْهَاءِ عِوَضًا عَنِ الْحَاءِ ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ تَصِحُّ ، كَمَا قَالَهُ
القاضي حسين فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ مِنْ تَعْلِيقِهِ ، وَنَقَلَهُ عَنْهُ
ابن الرفعة فِي الْكِفَايَةِ ، وَأَمَّا الثَّانِي فَمِنْ فُرُوعِهِ : إِذَا
nindex.php?page=treesubj&link=22734قَرَأَ ( الْمُسْتَقِيمِ ) بِالْقَافِ الْمَعْقُودَةِ الْمُشَبَّهَةِ لِلْكَافِ ، فَإِنَّهَا تَصِحُّ أَيْضًا ، كَمَا ذَكَرَهُ
الشيخ نصر المقدسي فِي كِتَابِهِ الْمَقْصُودِ ،
والروياني فِي الْحِلْيَةِ ، وَنَقَلَهُ عَنْهُ
النووي فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ ، وَجَزَمَ بِهِ
ابن الرفعة فِي الْكِفَايَةِ ، قَالَ
الإسنوي : وَالصِّحَّةُ فِي أَمْثَالِ هَذِهِ الْأُمُورِ لِأَجْلِ وُرُودِهِ فِي اللُّغَةِ ، وَبَقَاءُ الْكَلِمَةِ عَلَى مَدْلُولِهَا أَظْهَرُ بِخِلَافِ الْإِتْيَانِ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ فِي ( الَّذِينَ ) عِوَضًا عَنِ الْمُعْجَمَةِ ، فَإِنَّ إِطْلَاقَ
الرافعي وَغَيْرِهِ يَقْتَضِي الْبُطْلَانَ ، وَأَنَّهُ لَا يَأْتِي فِيهِ الْخِلَافُ فِي إِبْدَالِ الضَّادِ ظَاءً ، وَسَبَبُهُ عُسْرُ التَّمْيِيزِ فِي الْمَخْرَجِ . انْتَهَى .
( فَصْلٌ )
فَإِنْ لَمْ يَنْوِ بِهِ الطَّلَاقَ ، فَلَهُ حَالَانِ : أَحَدُهُمَا أَنْ يَنْوِيَ بِهِ الصَّرْفَ عَنِ الطَّلَاقِ ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ وَالْحَالَةُ هَذِهِ ، وَلَوْ قِيلَ بِأَنَّ ذَلِكَ يُقْبَلُ مِنَ الْفَقِيهِ وَيَدِينُ فِيهِ الْعَامِّيُّ ، فَيُؤَاخَذُ بِهِ ظَاهِرًا وَلَا يَقَعُ بَاطِنًا ، لَمْ يَكُنْ بِبَعِيدٍ ، وَهَذَا لَا يَتَأَتَّى عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ كِنَايَةٌ ؛ لِأَنَّ الْكِنَايَةَ لَا تَدْيِينَ فِيهَا ، وَإِنَّمَا يَتَأَتَّى إِنْ جَعَلْنَاهُ صَرِيحًا وَهُوَ قَوِيٌّ جِدًّا ، أَمَّا عَلَى رَأْيِ
الرافعي فِي اللَّفْظِ الَّذِي اشْتَهَرَ فَوَاضِحٌ ، وَأَمَّا عَلَى مَا صَحَّحَهُ
النووي فَهَذَا لِمَنْ تَأَمَّلَهُ أَقْوَى مِنْ لَفْظِ " الْحَلَالُ عَلَيَّ حَرَامٌ " ، فَإِنَّ ذَاكَ لَفْظٌ آخَرُ غَيْرُ لَفْظِ الطَّلَاقِ ، وَيَحْتَمِلُ مَعَانِيَ ، وَأَمَّا لَفْظُ " تَالِقٌ " يَحْتَمِلُ مَعْنًى آخَرَ ، وَإِنَّمَا هُوَ لَفْظُ الطَّلَاقِ أُبْدِلَ مِنْهُ حَرْفٌ بِحَرْفٍ مُقَارِبٍ لَهُ فِي الْمَخْرَجِ ، وَيُؤَيِّدُ جَعْلَهُ صَرِيحًا مَا أَشَارَ إِلَيْهِ
الإسنوي فِي : أَنْتِ طَالِ ، عَلَى إِرَادَةِ نِيَّةِ الْمَحْذُوفِ بِالطَّلَاقِ ، وَيُؤَيِّدُهُ صِحَّةُ الصَّلَاةِ بِـ ( الْهَمْدُ لِلَّهِ ) فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْحَرْفَ الْمُبْدَلَ قَائِمٌ مُقَامَ الْحَرْفِ الْمُبْدَلِ مِنْهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، فَيَسْتَمِرُّ اللَّفْظُ عَلَى صَرَاحَتِهِ كَمَا اسْتَمَرَّ ذَلِكَ اللَّفْظُ مُعْتَدًّا بِهِ فِي الْقِرَاءَةِ بَلْ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ بَابَ الصَّلَاةِ وَإِبْطَالِهَا بِسُقُوطِ حَرْفٍ مِنَ الْفَاتِحَةِ أَضْيَقُ وَبَابَ الْقِرَاءَةِ أَشَدُّ ضِيقًا ، فَإِنَّ الْقِرَاءَةَ لَا تَجُوزُ بِالْمَعْنَى وَلَا بِالْمُرَادِفِ بَلْ وَلَا بِالشَّاذِّ الَّذِي قُرِئَ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ ، وَلَمْ يَقْرَأْ أَحَدٌ قَطُّ ( الْهَمْدُ لِلَّهِ ) بِالْهَاءِ ، فَقَوْلُهُمْ بِالصِّحَّةِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ لِمُجَرَّدِ الْإِبْدَالِ بِالْحَرْفِ الْمُقَارِبِ أَدَلُّ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّ الْإِبْدَالَ بِمَا ذُكِرَ لَا يُخْرِجُ اللَّفْظَ
[ ص: 253 ] عَنْ مَعْنَاهُ الْمَوْضُوعِ لَهُ ، فَانْشَرَحَ الصَّدْرُ بِذَلِكَ إِلَى الْقَوْلِ بِصَرَاحَةِ هَذَا اللَّفْظِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَلَا يَلْزَمُنَا طَرْدُ ذَلِكَ فِي الْفَقِيهِ ؛ لِأَنَّ هَذَا الْإِبْدَالَ لَيْسَ مِنْ نَعْتِهِ وَلَا مِنْ عَادَتِهِ ، فَقُبِلَ قَوْلُهُ فِي عَدَمِ إِرَادَتِهِ وَكَانَ فِي حَقِّهِ كَالْكِنَايَةِ لَا يَعْمَلُ إِلَّا بِالنِّيَّةِ .
الْحَالُ الثَّانِي : أَنْ لَا يَنْوِيَ شَيْئًا بَلْ يُطْلِقَ ، وَالْوُقُوعُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فِي حَقِّ الْعَامِّيِّ بَاطِنًا لَهُ وَجْهٌ مَأْخَذُهُ الصَّرَاحَةُ أَوِ الشَّبَهُ بِالصَّرَاحَةِ ، وَأَمَّا ظَاهِرًا فَأَقْوَى بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُجْزَمَ بِهِ ، وَفِي حَقِّ الْفَقِيهِ مَحَلُّ تَوَقُّفٍ .
( فَرْعٌ ) أَمَّا لَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=11715قَالَ : عَلِيَّ التَّلَاقُ ، بِالتَّاءِ ، فَهُوَ كِنَايَةٌ قَطْعًا فِي حَقِّ كُلِّ أَحَدٍ الْعَامِّيِّ وَالْفَقِيهِ ، فَإِنْ نَوَى فَطَلَاقٌ وَإِلَّا فَلَا ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَالِقٍ أَنَّ تَالِقًا لَا مَعْنَى لَهُ يَحْتَمِلُهُ ، وَالتَّلَاقُ لَهُ مَعْنًى يَحْتَمِلُهُ .
( فَرْعٌ ) وَلَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=11715قَالَ : أَنْتِ دَالِقٌ ، بِالدَّالِ ، فَيُمْكِنُ أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ مَا فِي تَالِقٍ ، بِالتَّاءِ ؛ لِأَنَّ الدَّالَ وَالطَّاءَ أَيْضًا مُتَعَاوِرَانِ فِي الْإِبْدَالِ ، إِلَّا أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَمْ يَشْتَهِرْ فِي الْأَلْسِنَةِ كَاشْتِهَارِ تَالِقٍ ، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ الْقَوْلُ بِالْوُقُوعِ مَعَ فَقْدِ النِّيَّةِ أَصْلًا مَعَ أَنَّ لِدَالِقٍ مَعْنًى غَيْرَ الطَّلَاقِ ، يُقَالُ : سَيْفٌ دَالِقٌ : إِذَا كَانَ سَلِسَ الْخُرُوجِ مِنْ غِمْدِهِ ، وَرَجُلٌ دَالِقٌ : كَثِيرُ الْغَارَاتِ .
( فَرْعٌ ) وَلَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=11715قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ، بِالْقَافِ الْمَعْقُودَةِ قَرِيبَةٍ مِنَ الْكَافِ كَمَا يَلْفِظُ بِهَا الْعَرَبُ ، فَلَا شَكَّ فِي الْوُقُوعِ ، فَلَوْ أَبْدَلَهَا كَافًا صَرِيحَةً ، فَقَالَ طَالِكٌ ، فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ كَمَا لَوْ قَالَ : تَالِقٌ ، بِالتَّاءِ ، إِلَّا أَنَّهُ يَنْحَطُّ عَنْهُ بِعَدَمِ الشُّهْرَةِ عَلَى الْأَلْسِنَةِ ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَدَالِقٍ بِالدَّالِ إِلَّا أَنَّهُ لَا مَعْنَى لَهُ يَحْتَمِلُهُ ، وَتَعَاوُرُ الْقَافِ وَالْكَافِ كَثِيرٌ فِي اللُّغَةِ ، وَقَدْ قُرِئَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=11وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ ) وَ : قُشِطَتْ ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يُقَالُ فِي قِسْطٍ : كِسْطٌ ، وَفِي قِمَطْرَةٍ : كِمَتْرَةٌ .
( فَرْعٌ ) فَلَوْ أَبْدَلَ الْحَرْفَيْنِ ، فَقَالَ : تَالِكٌ ، بِالتَّاءِ وَالْكَافِ ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كِنَايَةً ، إِلَّا أَنَّهُ أَضْعَفُ مِنْ جَمِيعِ الْأَلْفَاظِ السَّابِقَةِ ، ثُمَّ إِنَّهُ لَا مَعْنَى لَهُ مُحْتَمَلٌ ، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ بِالدَّالِ وَالْكَافِ ، فَهُوَ أَضْعَفُ مِنْ تَالِكٍ ، مَعَ أَنَّ لَهُ مَعَانِيَ مُحْتَمَلَةً ، مِنْهَا الْمُمَاطَلَةُ لِلْغَرِيمِ ، وَمِنْهَا الْمُسَاحَقَةُ ، يُقَالُ : تَدَالَكَتِ الْمَرْأَتَانِ : إِذَا تَسَاحَقَتَا ، فَيَكُونُ كِنَايَةَ قَذْفٍ بِالْمُسَاحَقَةِ ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ هُنَا أَلْفَاظًا بَعْضَهَا أَقْوَى مِنْ بَعْضٍ ، فَأَقْوَاهَا تَالِقٌ ، ثُمَّ دَالِقٌ ، وَفِي رُتْبَتِهَا طَالِكٌ ، ثُمَّ تَالِكٌ ، ثُمَّ دَالِكٌ ، وَهِيَ أَبْعَدُهَا ، وَالظَّاهِرُ الْقَطْعُ بِأَنَّهَا لَا تَكُونُ كِنَايَةَ طَلَاقٍ أَصْلًا ، ثُمَّ رَأَيْتُ الْمَسْأَلَةَ مَنْقُولَةً فِي كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ ، قَالَ صَاحِبُ الْخُلَاصَةِ : وَفِي الْفَتَاوَى : رَجُلٌ
nindex.php?page=treesubj&link=11715قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتَ تَالِقٌ أَوْ تَالِغٌ أَوْ طَالِغٌ أَوْ تَالِكٌ ، عَنِ
الشيخ الإمام الجليل أبي بكر محمد بن الفضل أَنَّهُ يَقَعُ وَإِنْ تَعَمَّدَ وَقَصَدَ أَنْ لَا يَقَعَ ، وَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً ، وَيُصَدَّقُ دِيَانَةً ، إِلَّا إِذَا أَشْهَدَ قَبْلَ أَنْ يَتَلَفَّظَ ، وَقَالَ :
[ ص: 254 ] إِنَّ امْرَأَتِي تَطْلُبُ مِنِّي الطَّلَاقَ وَلَا يَنْبَغِي لِي أَنْ أُطَلِّقَهَا ، فَأَتَلَفَّظُ بِهَا قَطْعًا لِعِلَّتِهَا وَتَلَفَّظَ وَشَهِدُوا بِذَلِكَ عِنْدَ الْحَاكِمِ ، لَا يُحْكَمُ بِالطَّلَاقِ ، وَكَانَ فِي الِابْتِدَاءِ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْجَاهِلِ وَالْعَالِمِ كَمَا هُوَ جَوَابُ
شمس الأئمة الحلواني ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَا قُلْنَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى .