مسألة : في قول المنهاج في صلاة الجمعة من أدرك ركوع الثانية أدرك الجمعة  فيصلي بعد سلام الإمام ، ومشى عليه الشارح المحقق ، وكذلك الشيخ تقي الدين  السبكي  بقوله : إن شرط إدراك الجمعة بركوع الثانية أن يستمر الإمام إلى السلام ، ووقع لبعضهم أنه قال : يجوز مفارقة الإمام إذا أدرك ركوع الثانية قبل أن يسلم الإمام إثر السجود الثاني ، وأفتى بذلك جماعة من الشافعية ، فعلام يعتمد المقلد للإمام  الشافعي  رضي الله عنه وعنا . 
الجواب : الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى ، هذه المسألة من معضلات المسائل التي يجب التوقف فيها ، فإن المفهوم من كلام كثيرين اشتراط الاستمرار إلى السلام ، ومن كلام آخرين خلافه ، وها أنا أبين ذلك واضحا مفصلا فأقول : المفهوم من كلام المشايخ الثلاثة  الرافعي  والنووي  وابن الرفعة  اشتراط الاستمرار إلى السلام حيث عبروا في عدة مواضع ،  الرافعي  في شرحيه ،  والنووي  في شرح المهذب والمنهاج ،  وابن الرفعة  في الكفاية ، بقولهم صلى بعد سلام الإمام ركعة أضاف بعد سلام الإمام فإذا سلم   [ ص: 72 ] الإمام قام وأتى بركعة ، وتكرر ذلك منهم في مواضع عديدة ، وهذا وإن كان محتملا لذكر بعد صور المسألة لا للتقييد لكن يدفعه عدم ذكر الشق الآخر وهو ما لو فارق قبل السلام ما حكمه ؟ فإنه لو كان حكمه الإدراك لنبهوا عليه ليعرفوا أن قولهم بعد سلام الإمام ونحوه ليس للتقييد ، وكذا قال  ابن الرفعة  في مسألة المزحوم إذا راعى ترتيب نفسه عالما بطلت صلاته ، ثم إن أدرك الإمام في ركوع الثانية وجب عليه أن يحرم معه ، وتدرك الجمعة بهذه الركعة ، فإذا سلم الإمام أضاف إليها أخرى . 
وقال في مسألة المسبوق : المراد بإدراك الركعة أن يحرم المأموم ويركع مع الإمام والإمام راكع فيجتمعان في جزء منه ويتابع الإمام إلى أن يتم ، وقال  الرافعي     : المراد بإدراك الركوع أن يدركه فيه ويتابعه فيما بعده من الأركان . 
فهذه العبارات كلها ظاهرة في اعتبار الاستمرار إلى السلام ، وأما مسألة المفارقة التي ذكرها  الإسنوي  وجوزها قبل السلام فلم يصرح بها أحد من المشايخ الثلاثة ، وإنما ذكروا مسألة المفارقة مريدين بها بعد الركعة الأولى بقرينة أنهما لم يذكراها في مسألة المسبوق ، وإنما ذكرها الرافعي  والنووي  في مسألة الاستخلاف ،  وابن الرفعة  في مسألة الزحمة ، وكل من المسألتين خاص بإدراك الركعة الأولى ، هذا وقد صرح بالمسألة واشترط الاستمرار إلى السلام الشيخ  تقي الدين السبكي  ،  والكمال الدميري  في شرحيهما على المنهاج ، وعبارة  السبكي  والدميري  هذا إذا كملها مع الإمام ، أما لو خرج منها قبل السلام فلا ، ويرشد إليه قوله : فيصلي بعد سلام الإمام ركعة - هذه عبارته . 
وقول الشيخ  جلال الدين المحلي  في شرحه : واستمر معه إلى أن سلم يحتمل التقييد والتصوير لأجل صورة الكتاب ، والأول أوجه ، وإلا لبين حكم القسم الآخر وألحقه بالأول كما جرت به عادته وعادة الشراح قبله ، وإلا لكان زيادة إبهام استمرارا على ما في المتن من الإيهام ، وإن نظرت إلى الاستدلال وجدته يؤيد الاشتراط ، وذلك لأن الأصل في الجمعة أن لا يصلى شيء منها إلا مع الإمام ، خرج صورة من أدرك ركعة بالحديث فوجب الاقتصار عليه بشرط حصول مسمى الركعة ، والتشهد والسلام داخلان في مسمى الركعة ، وذلك من وجوه : 
أحدها : أن النصوص والإجماع على أن الجمعة والصبح والعيد ونحوها ركعتان ، والظهر والعصر والعشاء أربع ركعات ، والمغرب ثلاث ، والقول بأن آخر الركعات الفراغ من السجدة الثانية ، وأن التشهد والسلام قدر زائد عليها يلزم عليه أحد أمرين : إما إخراج ذلك عن مسمى الصلاة ، وهو شيء لم يقله أحد في التشهد ، وإن قال به بعض العلماء في السلام ، وإما دعوى أن الصلاة ركعتان وشيء أو أربع وشيء أو ثلاث وشيء وهو أمر ينبو عنه السمع ويأباه حملة الشرع . 
الثاني : أن الحديث   [ ص: 73 ] واتفاق المذهب مصرح بأن الوتر ركعة وهي مشتملة على تشهد وسلام ، فدعوى أنهما خارجان عن مسمى الركعة خلاف الأصل والظاهر ، إذ الأصل والظاهر أن الاسم إذا أطلق على شيء يكون منصبا على جميع أجزائه ، ولا يخرج بعضها عن إطلاق الاسم عليه إلا بدليل ينص عليه . 
الثالث : أن أكثر ما يقال في إخراجهما عن مسمى الركعة القياس على الركعة الأولى وهو بعيد ؛ لأن السجدة الثانية في الركعة الأولى يعقبها الشروع في ركعة أخرى فوجب كونها آخر الركعة ، والتشهد الأول يعقبه ركعة أو ركعتان فصح جعله فاصلا بين ما سبق وما سيأتي ، وأما الركعة الأخيرة فلا يعقبها شروع في ركعة أخرى فوجب أن يكون تشهدها جزءا منها داخلا في مسماه ، ولم يصلح أن يكون فاصلا إذ لا شيء يفصله منها . 
الرابع : ومما يؤيد ذلك أنه لا بدع أن يزيد بعض الركعات على بعض بأركان وسنن ، فكما أن الأولى زادت من الأركان بالنية والتكبيرة ، ومن السنن بدعاء الاستفتاح وبالتعوذ على رأي مشى عليه صاحب التنبيه ، فكذلك زادت الثانية بالتشهد والسلام وبالقنوت في بعض الصلوات . 
الخامس : ومما يؤيد ذلك اختلاف الأصحاب في جلسة الاستراحة هل هي من الركعة الأولى أو من الثانية أو فاصلة بين الركعتين ؟ على أوجه حكاها  ابن الرفعة  في الكفاية ، وبنوا على ذلك ما لو خرج الوقت فيها ، فإن قلنا : إنها من الأولى فالصلاة قضاء ، لأنه لم يدرك ركعة من الوقت ، أو من الثانية أو فاصلة فأداء ، فانظر كيف لم يجزموا بأن آخر الأولى السجدة الثانية ، والتشهد الأخير نظير جلسة الاستراحة ، بل يجب القطع بأنه من الركعة التي قبله ، ولا يحسن فيه خلاف جلسة الاستراحة ؛ لأن جلسة الاستراحة تعقبها ركعة فيصح أن يجعل جزءا منها أو فاصلا بينها وبين ما قبلها ، ولا ركعة بعد التشهد الأخير فلا يصح جعله من غير الركعة التي هو فيها ، إذ لا شيء بعده تجعل منه أو فاصلا بينه وبين ما قبله ، وبهذا يحصل الفرق بينه وبين التشهد الأول . 
السادس : علم مما قررناه أن قوله صلى الله عليه وسلم : ( من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح   ) أي أداء لا يكتفي فيه بالفراغ من السجدة الثانية ، بل لا بد من الفراغ من الجلسة بعدها إن جلسها على الأول وهو مرجوح ، فكذا حديث من أدرك ركعة من الجمعة لا يكتفي فيه بالفراغ من السجدة الثانية ، بل لا بد من الفراغ من الجلوس بعدها لما قطعنا به من كونه من جملة الركعة . 
السابع : قوله صلى الله عليه وسلم : ( من أدرك من الجمعة ركعة فليصل إليها أخرى   ) ظاهر في أن التشهد والسلام داخل في مسمى الركعة ؛ وذلك لأن قوله : أخرى ، صفة لموصوف مقدر ، أي   [ ص: 74 ] ركعة أخرى ، والركعة التي تصلى مشتملة على تشهد وسلام وقد سماها ركعة فوجب دخولهما في مسمى الركعة ، فإن قيل : يقدر في الحديث فليصل إليها ركعة ويضم إليها التشهد والسلام ، قلنا : هذا تقرير ما لا دليل عليه ولا حاجة إليه ، والتقدير لا يصار إليه إلا عند الحاجة ولا حاجة . 
الثامن : لفظ الحديث والأصحاب في صلاة الخوف أن الفرقة الثانية يصلون مع الإمام ركعة دليل أن التشهد والسلام داخلان في مسمى الركعة ، فإنها تتشهد معه وتسلم ، وكذا قولهم : فإن صلى مغربا فبفرقة ركعتين وبالثانية ركعة فإن الأولى تتشهد معه والثانية كذلك وتسلم معه . 
والتاسع : قول الفقهاء في صلاة النفل : فإن أحرم بأكثر من ركعة فله التشهد في ركعتين ، وفي كل ركعة صريح في أن التشهد داخل في مسمى الركعة حيث جعلوا الركعة ظرفا للتشهد فيكون منها ، ولو كان زائدا عليها لم يصح الظرف ؛ لأنه يكون بعدها لا فيها ، فقولهم : تشهد في كل ركعة كقولهم تجب الفاتحة في كل ركعة ، وكقولهم في صلاة الكسوف في كل ركعة ركوعان ، فإن ذلك داخل في مسمى الركعة قطعا . 
العاشر : قوله صلى الله عليه وسلم في صلاة التسبيح إنها أربع ركعات في كل ركعة خمس وسبعون تسبيحة  ثم فصلها ، خمس عشرة في القيام ، وعشر في الركوع ، إلى أن قال : وعشر في جلسة الاستراحة ، إلى أن قال : وعشر في التشهد صريح في أن جلسة الاستراحة والتشهد بعض من الركعة  وداخلان في مسمى الركعة ، وإلا لم يصح أن في كل ركعة خمسة وسبعين ؛ لأنه لو كانا خارجين عن مسمى الركعة كان في كل ركعة خمس وستون والباقي مزيد على الركعة ، ولفظ الحديث : ( يصلي أربع ركعات ، يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب وسورة ، فإذا انقضت القراءة فقل : الله أكبر ، والحمد لله ، وسبحان الله ، ولا إله إلا الله ، خمس عشرة مرة قبل أن تركع ، ثم اركع فقلها عشرا ، ثم ارفع رأسك فقلها عشرا ، ثم اسجد فقلها عشرا ، ثم ارفع رأسك فقلها عشرا ، ثم اسجد فقلها عشرا ، ثم اجلس للاستراحة فقلها عشرا قبل أن تقوم ، فذلك خمس وسبعون في كل ركعة وهي ثلاثمائة في أربع ركعات   ) - أخرجه  أبو داود  ،  والترمذي  ،  وابن ماجه  ،  والحاكم  ،  وابن خزيمة  في صحيحيهما ، فإن قيل : الأرجح أن جلسة الاستراحة فاصلة لا من الأولى ولا من الثانية . قلت : الجواب عن ذلك أن هذه الجلسة في صلاة التسبيح ليست كجلسة الاستراحة بل جلسة مزيدة في هذه الصلاة كالركوع في صلاة الكسوف - ذكر ذلك شيخ الإسلام  ابن حجر  في أماليه ، ولهذا طولت ، فدل على أنها هنا من الركعة الأولى ، فكذلك التشهد الأخير من الركعة الرابعة ، ولا تتم خمسة وسبعون إلا بما يقال فيه ، فإن قيل : فما الذي أوجب ذلك التوقف مع ما ذكرت من وجوه الاستدلال ؟ قلت : مسألة رأيتها   [ ص: 75 ] في تهذيب  البغوي  ، فإنه بعد أن قرر في مسائل الاستخلاف أن الخليفة المقتدي في الثانية يتم ظهرا لا جمعة ؛ لأنه لم يدرك مع الإمام ركعة ، قال ما نصه : ولو أدرك المسبوق في الركوع من الركعة الثانية فركع وسجد مع الإمام فلما قعد للتشهد أحدث الإمام وتقدم المسبوق له أن يتم الجمعة ؛ لأنه صلى مع الإمام ركعة - هذا نصه بحروفه ، فإن صحت هذه المسألة اتجه ما قيل في المفارقة ، إلا أني لم أر من ذكر هذه المسألة التي ذكرها  البغوي  ، ولم أر أحدا صرح بموافقته فيها ولا بمخالفته ، وقد ذكر هو ما يشعر بأنه قالها تخريجا من عنده ، ولم ينقلها نقل المذهب ، ولم يتعرض لها أحد من المتأخرين ، لا  الرافعي  في شرحيه ، ولا  النووي  في شرح المهذب على تتبعه ، ولا  ابن الرفعة  في الكفاية مع حرصه على تتبع ما زاد على الشيخين ، ولا  السبكي  ، ولا أحد ممن تكلم على الروضة كصاحب المهمات والخادم ، وهي محل نظر ، وهي التي أوجبت لي التوقف في مسألة المفارقة ، والتحقيق أن الركعة اسم لجميع أركان الواحدة من أعداد الصلاة من القيام إلى مثله أو إلى التحلل ، وإخراج التشهد والسلام عن مسمى الركعة بعيد جدا ، والأحوط عدم تجويز المفارقة قبل السلام ليتحقق مسمى الركعة المعتبرة في إدراك الجمعة ، والله أعلم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					