( إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون )
إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ) قوله تعالى : (
اعلم أن في الآية مسائل نحوية ، ومسائل أصولية ، ونحن نأتي عليها إن شاء الله تعالى ، أما قوله : ( إن ) ففيه مسائل :
( المسألة الأولى ) : اعلم أن ( إن ) حرف ، والحرف لا أصل له في العمل ، لكن هذا الحرف أشبه الفعل صورة ومعنى ، وتلك المشابهة تقتضي كونها عاملة ، وفيه مقدمات :
( المقدمة الأولى ) : في بيان المشابهة ، واعلم أن هذه المشابهة حاصلة في اللفظ والمعنى ، أما في اللفظ فلأنها تركبت من ثلاثة أحرف وانفتح آخرها ولزمت الأسماء كالأفعال ، ويدخلها نون الوقاية نحو إنني وكأنني ، كما يدخل على الفعل نحو : أعطاني وأكرمني ، وأما المعنى فلأنها تفيد حصول معنى في الاسم ، وهو تأكد موصوفيته بالخبر ، كما أنك إذا قلت : قام زيد ، فقولك : قام أفاد حصول معنى في الاسم .
( المقدمة الثانية ) : أنها لما أشبهت الأفعال وجب أن تشبهها في العمل ، وذلك ظاهر بناء على الدوران .
( المقدمة الثالثة ) : في أنها لم نصبت الاسم ورفعت الخبر ؟ وتقريره أن يقال : إنها لما صارت عاملة ، فإما أن ترفع المبتدأ والخبر معا ، أو تنصبهما معا ، أو ترفع المبتدأ وتنصب الخبر وبالعكس ، والأول باطل ؛ لأن المبتدأ والخبر كانا قبل دخول ( إن ) عليهما مرفوعين ، فلو بقيا كذلك بعد دخولها عليهما لما ظهر له أثر البتة ، ولأنها أعطيت عمل الفعل ، والفعل لا يرفع الاسمين ، فلا معنى للاشتراك ، والفرع لا يكون أقوى من الأصل ، والقسم الثاني أيضا باطل ؛ لأن هذا أيضا مخالف لعمل الفعل ، لأن الفعل لا ينصب شيئا مع خلوه عما يرفعه . والقسم الثالث أيضا باطل ؛ لأنه يؤدي إلى التسوية بين الأصل والفرع ، فإن الفعل يكون عمله في الفاعل أولا بالرفع ثم في المفعول بالنصب ، فلو جعل الحرف ههنا كذلك لحصلت التسوية بين الأصل والفرع . ولما بطلت الأقسام الثلاثة تعين القسم الرابع : وهو أنها تنصب الاسم وترفع [ ص: 34 ] الخبر ، وهذا مما ينبه على أن هذه الحروف دخيلة في العمل لا أصلية ، لأن تقديم المنصوب على المرفوع في باب الفعل عدول عن الأصل ، فذلك يدل ههنا على أن العمل لهذه الحروف ليس بثابت بطريق الأصالة ، بل بطريق عارض .