( المسألة الثالثة ) : قوله : ( إن الذين كفروا ) صيغة للجمع مع لام التعريف ، وهي للاستغراق بظاهره ، ثم [ ص: 37 ] إنه لا نزاع في أنه ليس المراد منها هذا الظاهر ؛ لأن كثيرا من الكفار أسلموا ، فعلمنا أن ؛ إما لأجل أن القرينة الدالة على أن المراد من ذلك العموم ذلك الخصوص كانت ظاهرة في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ، فحسن ذلك لعدم التلبيس وظهور المقصود ، ومثاله ما إذا كان للإنسان في البلد جمع مخصوص من الأعداء ، فإذا قال : " إن الناس يؤذونني " فهم كل أحد أن مراده من الناس ذلك الجمع على التعيين ، وإما لأجل أن التكلم بالعام لإرادة الخاص جائز ، وإن لم يكن البيان مقرونا به عند من يجوز تأخير بيان التخصيص عن وقت الخطاب ، وإذا ثبت ذلك ظهر أنه لا يمكن التمسك بشيء من صيغ العموم على القطع بالاستغراق لاحتمال أن المراد منها هو الخاص ، وكانت القرينة الدالة على ذلك ظاهرة في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ، فلا جرم حسن ذلك ، وأقصى ما في الباب أن يقال : لو وجدت هذه القرينة لعرفناها ، وحيث لم نعرفها علمنا أنها ما وجدت إلا أن هذا الكلام ضعيف ؛ لأن الاستدلال بعدم الوجدان على عدم الوجود من أضعف الأمارات المفيدة للظن فضلا عن القطع ، وإذا ثبت ذلك ظهر أن استدلال الله تعالى قد يتكلم بالعام ويكون مراده الخاص المعتزلة بعمومات الوعيد على القطع بالوعيد في نهاية الضعف ، والله أعلم . ومن المعتزلة من احتال في دفع ذلك ، فقال : إن قوله : " إن الذين كفروا لا يؤمنون " كالنقيض لقوله : " إن الذين كفروا يؤمنون " ، وقوله : " إن الذين كفروا يؤمنون " لا يصدق إلا إذا آمن كل واحد منهم ، فإذا ثبت أنه في جانب الثبوت يقتضي العموم وجب أن لا يتوقف في جانب النفي على العموم ، بل يكفي في صدقه أن لا يصدر الإيمان عن واحد منهم ؛ لأنه متى لم يؤمن واحد من ذلك الجمع ثبت أن ذلك الجمع لم يصدر منهم الإيمان ، فثبت أن قوله : " إن الذين كفروا لا يؤمنون " يكفي في إجرائه على ظاهره ، أن لا يؤمن واحد منهم ، فكيف إذا لم يؤمن الكثير منهم ؟ والجواب : أن قوله : ( إن الذين كفروا ) صيغة الجمع ، وقوله : ( لا يؤمنون ) أيضا صيغة جمع ، والجمع إذا قوبل بالجمع توزع الفرد على الفرد ، فمعناه أن كل واحد منهم لا يؤمن ، وحينئذ يعود الكلام المذكور .