( المسألة الأولى ) : قال صاحب الكشاف ( سواء ) اسم بمعنى الاستواء وصف به كما يوصف بالمصادر ، منه قوله تعالى : ( تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ) [آل عمران : 64] ( في أربعة أيام سواء للسائلين ) [فصلت : 10] بمعنى مستوية ، فكأنه قيل : إن الذين كفروا مستو عليهم إنذارك وعدمه .
( المسألة الثانية ) : في ارتفاع ( سواء ) قولان : أحدهما : أن ارتفاعه على أنه خبر لإن و ( أأنذرتهم أم لم تنذرهم ) [ ص: 38 ] في موضع الرفع به على الفاعلية ، كأنه قيل : إن ، كما تقول : إن زيدا مختصم أخوه وابن عمه . الثاني : أن تكون " أنذرتهم أم لم تنذرهم " في موضع الابتداء ، وسواء خبره مقدما بمعنى : سواء عليهم إنذارك وعدمه ، والجملة خبر لإن ، واعلم أن الوجه الثاني أولى ؛ لأن " سواء " اسم ، وتنزيله بمنزلة الفعل يكون تركا للظاهر من غير ضرورة ، وإنه لا يجوز ، وإذا ثبت هذا فنقول : من المعلوم أن المراد وصف الإنذار وعدم الإنذار بالاستواء ، فوجب أن يكون " سواء " خبرا ، فيكون الخبر مقدما ، وذلك يدل على أن تقديم الخبر على المبتدأ جائز ، ونظيره قوله تعالى : ( الذين كفروا مستو عليهم إنذارك وعدمه سواء محياهم ومماتهم ) [الجاثية : 21] وروى قولهم : " تميمي أنا " " ومشنوء من يشنؤك " ، أما الكوفيون فإنهم لا يجوزونه ، واحتجوا عليه من وجهين : الأول : المبتدأ ذات ، والخبر صفة ، والذات قبل الصفة بالاستحقاق ، فوجب أن يكون قبلها في اللفظ قياسا على توابع الإعراب ، والجامع التبعية المعنوية . الثاني : أن الخبر لا بد وأن يتضمن الضمير ، فلو قدم الخبر على المبتدأ لوجد الضمير قبل الذكر ، وإنه غير جائز ؛ لأن الضمير هو اللفظ الذي أشير به إلى أمر معلوم ، فقبل العلم به امتنعت الإشارة إليه ، فكان الإضمار قبل الذكر محالا ، أجاب البصريون على الأول بأن ما ذكرتم يقتضي أن يكون تقدم المبتدأ أولى ، لا أن يكون واجبا ، وعن الثاني : أن الإضمار قبل الذكر واقع في كلام العرب ، كقولهم : " في بيته يؤتى الحكم " ، قال تعالى : ( سيبويه فأوجس في نفسه خيفة موسى ) [طه : 67] ، وقال زهير :
من يلق يوما على علاته هرما يلق السماحة منه والندى خلقا
والله أعلم .