(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=16أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=16أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين )
واعلم أن
nindex.php?page=treesubj&link=30563اشتراء الضلالة بالهدى اختيارها عليه واستبدالها به ، فإن قيل كيف اشتروا الضلالة بالهدى وما كانوا على هدى قلنا جعلوا لتمكنهم منه كأنه في أيديهم فإذا تركوه ومالوا إلى الضلالة فقد استبدلوها به ،
[ ص: 66 ] والضلالة الجور والخروج عن القصد وفقد الاهتداء ، فاستعير للذهاب عن الصواب في الدين ، أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=16فما ربحت تجارتهم ) فالمعنى أنهم ما ربحوا في تجارتهم ، وفيه سؤالان : السؤال الأول : كيف أسند الخسران إلى التجارة وهو لأصحابها ؟
الجواب : هو من الإسناد المجازي وهو أن يسند الفعل إلى شيء يتلبس بالذي هو في الحقيقة له كما تلبست التجارة بالمشتري .
السؤال الثاني : هب أن شراء الضلالة بالهدى وقع مجازا في معنى الاستبدال فما معنى ذكر الربح والتجارة وما كان ثم مبايعة على الحقيقة؟ والجواب : هذا مما يقوي أمر المجاز ويحسنه كما قال الشاعر :
ولما رأيت النسر عز ابن دأية وعشش في وكريه جاش له صدري
لما شبه الشيب بالنسر ، والشعر الفاحم بالغراب أتبعه بذكر التعشيش والوكر ، فكذا ههنا لما ذكر سبحانه الشراء أتبعه ما يشاكله ويواخيه ، تمثيلا لخسارتهم وتصويرا لحقيقته ، أما قوله :
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=16وما كانوا مهتدين ) فالمعنى أن الذي تطلبه التجار في متصرفاتهم أمران : سلامة رأس المال والربح ، وهؤلاء قد أضاعوا الأمرين ؛ لأن رأس مالهم هو العقل الخالي عن المانع ، فلما اعتقدوا هذه الضلالات صارت تلك العقائد الفاسدة الكسبية مانعة من الاشتغال بطلب العقائد الحقة .
وقال
قتادة : انتقلوا من الهدى إلى الضلالة ، ومن الطاعة إلى المعصية ، ومن الجماعة إلى التفرقة ومن الأمن إلى الخوف ، ومن السنة إلى البدعة ، والله أعلم .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=16أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=16أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ )
وَاعْلَمْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30563اشْتِرَاءَ الضَّلَالَةِ بِالْهُدَى اخْتِيَارُهَا عَلَيْهِ وَاسْتِبْدَالُهَا بِهِ ، فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَمَا كَانُوا عَلَى هُدًى قُلْنَا جُعِلُوا لِتَمَكُّنِهِمْ مِنْهُ كَأَنَّهُ فِي أَيْدِيهِمْ فَإِذَا تَرَكُوهُ وَمَالُوا إِلَى الضَّلَالَةِ فَقَدِ اسْتَبْدَلُوهَا بِهِ ،
[ ص: 66 ] وَالضَّلَالَةُ الْجَوْرُ وَالْخُرُوجُ عَنِ الْقَصْدِ وَفَقْدُ الِاهْتِدَاءِ ، فَاسْتُعِيرَ لِلذَّهَابِ عَنِ الصَّوَابِ فِي الدِّينِ ، أَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=16فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ ) فَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ مَا رَبِحُوا فِي تِجَارَتِهِمْ ، وَفِيهِ سُؤَالَانِ : السُّؤَالُ الْأَوَّلُ : كَيْفَ أُسْنِدَ الْخُسْرَانُ إِلَى التِّجَارَةِ وَهُوَ لِأَصْحَابِهَا ؟
الْجَوَابُ : هُوَ مِنَ الْإِسْنَادِ الْمَجَازِيِّ وَهُوَ أَنْ يُسْنَدَ الْفِعْلُ إِلَى شَيْءٍ يَتَلَبَّسُ بِالَّذِي هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ لَهُ كَمَا تَلَبَّسَتِ التِّجَارَةُ بِالْمُشْتَرِي .
السُّؤَالُ الثَّانِي : هَبْ أَنَّ شِرَاءَ الضَّلَالَةِ بِالْهُدَى وَقَعَ مَجَازًا فِي مَعْنَى الِاسْتِبْدَالِ فَمَا مَعْنَى ذِكْرِ الرِّبْحِ وَالتِّجَارَةِ وَمَا كَانَ ثَمَّ مُبَايَعَةٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ؟ وَالْجَوَابُ : هَذَا مِمَّا يُقَوِّي أَمْرَ الْمَجَازِ وَيُحَسِّنُهُ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ :
وَلَمَّا رَأَيْتُ النَّسْرَ عَزَّ ابْنَ دَأْيَةٍ وَعَشَّشَ فِي وَكْرَيْهِ جَاشَ لَهُ صَدْرِي
لَمَّا شَبَّهَ الشَّيْبَ بِالنَّسْرِ ، وَالشَّعْرَ الْفَاحِمَ بِالْغُرَابِ أَتْبَعَهُ بِذِكْرِ التَّعْشِيشِ وَالْوَكْرِ ، فَكَذَا هَهُنَا لَمَّا ذَكَرَ سُبْحَانَهُ الشِّرَاءَ أَتْبَعَهُ مَا يُشَاكِلُهُ وَيُوَاخِيهِ ، تَمْثِيلًا لِخَسَارَتِهِمْ وَتَصْوِيرًا لِحَقِيقَتِهِ ، أَمَّا قَوْلُهُ :
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=16وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ) فَالْمَعْنَى أَنَّ الَّذِي تَطْلُبُهُ التُّجَّارُ فِي مُتَصَرَّفَاتِهِمْ أَمْرَانِ : سَلَامَةُ رَأْسِ الْمَالِ وَالرِّبْحِ ، وَهَؤُلَاءِ قَدْ أَضَاعُوا الْأَمْرَيْنِ ؛ لِأَنَّ رَأْسَ مَالِهِمْ هُوَ الْعَقْلُ الْخَالِي عَنِ الْمَانِعِ ، فَلَمَّا اعْتَقَدُوا هَذِهِ الضَّلَالَاتِ صَارَتْ تِلْكَ الْعَقَائِدُ الْفَاسِدَةُ الْكَسْبِيَّةُ مَانِعَةً مِنَ الِاشْتِغَالِ بِطَلَبِ الْعَقَائِدِ الْحَقَّةِ .
وَقَالَ
قَتَادَةُ : انْتَقَلُوا مِنَ الْهُدَى إِلَى الضَّلَالَةِ ، وَمِنَ الطَّاعَةِ إِلَى الْمَعْصِيَةِ ، وَمِنَ الْجَمَاعَةِ إِلَى التَّفْرِقَةِ وَمِنَ الْأَمْنِ إِلَى الْخَوْفِ ، وَمِنَ السُّنَّةِ إِلَى الْبِدْعَةِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .