وأما قوله تعالى : ( والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون ) ففيه مسائل :
المسألة الأولى : قال الواحدي : : الذي سخن بالنار حتى انتهى حره . يقال : حممت الماء ؛ أي : سخنته ، فهو حميم . ومنه الحمام . الحميم
المسألة الثانية : احتج أصحابنا بهذه الآية على أنه لا واسطة بين أن يكون المكلف مؤمنا وبين أن يكون كافرا ؛ لأنه تعالى اقتصر في هذه الآية على ذكر هذين القسمين .
وأجاب القاضي عنه بأن ذكر هذين القسمين لا يدل على نفي القسم الثالث ، والدليل عليه قوله تعالى : ( والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع ) [ النور : 45 ] ولم يدل ذلك على نفي القسم الرابع ، بل نقول : إن في مثل ذلك ربما يذكر المقصود أو الأكثر ، ويترك ذكر ما عداه إذا كان قد بين في موضع آخر . وقد بين الله تعالى القسم الثالث في سائر الآيات .
والجواب أن نقول : إنما يترك القسم الثالث الذي يجري مجرى النادر ، ومعلوم أن الفساق أكثر من أهل الطاعات ، وكيف يجوز ترك ذكرهم في هذا الباب ؟ وأما قوله تعالى : ( والله خلق كل دابة من ماء ) فإنما ترك ذكر القسم الرابع والخامس ؛ لأن أقسام ذوات الأرجل كثيرة ، فكان ذكرها بأسرها يوجب الإطناب ، بخلاف هذه المسألة ، فإنه ليس هاهنا إلا القسم الثالث ، وهو الفاسق الذي يزعم الخصم أنه لا مؤمن ولا كافر ، فظهر الفرق .