[ ص: 148 ] ( ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه عليم بذات الصدور )
قوله تعالى : ( ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه عليم بذات الصدور ) .
اعلم أنه تعالى لما قال : ( وإن تولوا ) يعني عن عبادته وطاعته ( فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير ) بين بعده أن التولي عن ذلك باطنا كالتولي عنه ظاهرا ، فقال : ( ألا إنهم ) يعني محمد صلى الله عليه وسلم يثنون صدورهم ليستخفوا منه . الكفار من قوم
واعلم أنه تعالى حكى عن هؤلاء الكفار شيئين :
الأول : أنهم يثنون صدورهم ، يقال : ثنيت الشيء إذا عطفته وطويته ، وفي الآية وجهان :
الوجه الأول : روي أن طائفة من المشركين قالوا : إذا أغلقنا أبوابنا وأرسلنا ستورنا ، واستغشينا ثيابنا وثنينا صدورنا على عداوة محمد ، فكيف يعلم بنا ؟ وعلى هذا التقدير كان قوله : ( يثنون صدورهم ) كناية عن النفاق ، فكأنه قيل : يضمرون خلاف ما يظهرون ليستخفوا من الله تعالى ، ثم نبه بقوله : ( ألا حين يستغشون ثيابهم ) على أنهم يستخفون منه حين يستغشون ثيابهم .
الوجه الثاني : روي أن بعض الكفار كان إذا مر به رسول الله ثنى صدره وولى ظهره واستغشى ثيابه ، والتقدير كأنه قيل : إنهم ينصرفون عنه ليستخفوا منه حين ، وليقولوا في أنفسهم ما يشتهون من الطعن . وقوله : ( يستغشون ثيابهم ؛ لئلا يسمعوا كلام رسول الله وما يتلو من القرآن ألا ) للتنبيه ، فنبه أولا على أنهم ينصرفون عنه ليستخفوا ، ثم كرر كلمة ( ألا ) للتنبيه على ذكر الاستخفاء لينبه على وقت استخفائهم ، وهو حين يستغشون ثيابهم ، كأنه قيل : ألا إنهم ينصرفون عنه ليستخفوا من الله ، ألا إنهم يستخفون حين يستغشون ثيابهم . ثم ذكر أنه لا فائدة لهم في استخفائهم بقوله : ( يعلم ما يسرون وما يعلنون ) .