الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : أما حقيقة العبادة فذكرناها في قوله : ( إياك نعبد ) [ الفاتحة : 4 ] . وأما الخلق فحكى الأزهري صاحب " التهذيب " عن ابن الأنباري أنه التقدير والتسوية ، واحتجوا فيه بالآية والشعر والاستشهاد ، أما الآية فقوله تعالى : ( أحسن الخالقين ) [ المؤمنون : 14 ] ، أي المقدرين ( وتخلقون إفكا ) [ العنكبوت : 17 ] ، أي تقدرون كذبا ( وإذ تخلق من الطين ) [ المائدة : 110 ] ، أي تقدر .

                                                                                                                                                                                                                                            وأما الشعر فقول زهير :


                                                                                                                                                                                                                                            ولأنت تفري ما خلقت وبعـ ـض القوم يخلق ثم لا يفري



                                                                                                                                                                                                                                            وقال آخر :


                                                                                                                                                                                                                                            ولا يئط بأيدي الخالقين ولا     أيدي الخوالق إلا جيد الأدم



                                                                                                                                                                                                                                            وأما الاستشهاد : يقال : خلق النعل : إذا قدرها وسواها بالقياس ، ومنه قول العرب للأحاديث التي لا يصدق بها : أحاديث الخلق ، ومنه قوله تعالى : ( إن هذا إلا خلق الأولين ) [ الشعراء : 137 ] ، والخلاق : المقدار من الخير ، وهو خليق ؛ أي جدير ، كأنه الذي منه الخلاق ، والصخرة الخلقاء : الملساء ؛ لأن في الملاسة استواء ، وفي الخشونة اختلاق ومنه " أخلق الثوب " لأنه إذا بلي صار أملس واستوى نتوه واعوجاجه ، فثبت أن الخلق عبارة عن التقدير والاستواء ، قال القاضي عبد الجبار : الخلق فعل بمعنى التقدير ، واللغة لا تقتضي أن ذلك لا يتأتى إلا من الله تعالى ، بل الكتاب نطق بخلافه في قوله : ( فتبارك الله أحسن الخالقين ) [ المؤمنون : 14 ] ، ( وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير ) [ المائدة : 110 ] لكنه تعالى لما كان يفعل الأفعال لعلمه بالعواقب وكيفية المصلحة ولا فعل له إلا كذلك ، لا جرم اختص بهذا الاسم . وقال أستاذه أبو عبد الله البصري : إطلاق اسم " خالق " على الله محال ؛ لأن التقدير والتسوية عبارة عن الفكر والنظر والحسبان ، وذلك في حق الله محال .

                                                                                                                                                                                                                                            وقال جمهور أهل السنة والجماعة : الخلق عبارة عن الإيجاد والإنشاء ، واحتجوا عليه بقول المسلمين : لا خالق إلا الله ، ولو كان الخلق عبارة عن التقدير لما صح ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية