المسألة الخامسة : في سائر : منافع الأرض وصفاتها
فالمنفعة الأولى : الأشياء المتولدة فيها من المعادن والنبات والحيوان والآثار العلوية والسفلية لا يعلم تفاصيلها إلا الله تعالى .
الثانية : أن يتخمر الرطب بها فيحصل التماسك في أبدان المركبات .
الثالثة : اختلاف بقاع الأرض ، فمنها أرض رخوة وصلبة ورملة وسبخة وحرة ، [ ص: 96 ] وهي قوله تعالى : ( وفي الأرض قطع متجاورات ) [ الرعد : 4 ] ، وقال : ( والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا ) [ الأعراف : 58 ] .
الرابعة : اختلاف ألوانها ؛ فأحمر وأبيض وأسود ورمادي اللون وأغبر ، على ما قال تعالى : ( ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود ) [ فاطر : 27 ] .
الخامسة : انصداعها بالنبات ، قال تعالى : ( والأرض ذات الصدع ) [ الطارق : 12 ] .
السادسة : كونها خازنة للماء المنزل من السماء ، وإليه الإشارة بقوله تعالى : ( وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون ) [ المؤمنون : 18 ] ، وقوله : ( قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين ) [ الملك : 30 ] .
السابعة : العيون والأنهار العظام التي فيها ، وإليه الإشارة بقوله : ( وجعل فيها رواسي وأنهارا ) [ الرعد : 3 ] .
الثامنة : ما فيها من المعادن والفلزات ، وإليه الإشارة بقوله تعالى : ( والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون ) [ الحجر : 19 ] ، ثم بين بعد ذلك تمام البيان ، فقال : ( وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم ) .
التاسعة : الخبء الذي تخرجه الأرض من الحب والنوى ، قال تعالى : ( إن الله فالق الحب والنوى ) [ الأنعام : 95 ] ، وقال : ( يخرج الخبء في السماوات والأرض ) [ النمل : 25 ] .
ثم إن الأرض لها طبع الكرم لأنك تدفع إليها حبة واحدة ، وهي تردها عليك سبعمائة ( كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة ) [ البقرة : 261 ] .
العاشرة : حياتها بعد موتها ؛ قال تعالى : ( أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز فنخرج به زرعا ) [ السجدة : 27 ] ، وقال : ( وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون ) [ يس : 33 ] ، .
الحادية عشرة : ما عليها من الدواب المختلفة الألوان والصور والخلق ، وإليه الإشارة بقوله : ( خلق السماوات بغير عمد ترونها وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وبث فيها من كل دابة ) [ لقمان : 10 ] .
والثانية عشرة : ما فيها من النبات المختلف ألوانه وأنواعه ومنافعه ، وإليه الإشارة بقوله : ( وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج ) [ ق : 7 ] ، فاختلاف ألوانها دلالة ، واختلاف طعومها دلالة ، واختلاف روائحها دلالة ، فمنها قوت البشر ، ومنها قوت البهائم ، كما قال : ( كلوا وارعوا أنعامكم ) [ طه : 54 ] ، أما مطعوم البشر ، فمنها الطعام ، ومنها الإدام ، ومنها الدواء ، ومنها الفاكهة ، ومنها الأنواع المختلفة في الحلاوة والحموضة . قال تعالى : ( وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين ) [ فصلت : 10 ] ، وأيضا فمنها كسوة البشر ؛ لأن الكسوة إما نباتية ، وهي القطن والكتان ، وإما حيوانية وهي الشعر والصوف والإبريسم والجلود ، وهي من الحيوانات التي بثها الله تعالى في الأرض ، فالمطعوم من الأرض ، والملبوس من الأرض . ثم قال : ( ويخلق ما لا تعلمون ) [ النحل : 8 ] وفيه إشارة إلى منافع كثيرة لا يعلمها إلا الله تعالى .
[ ص: 97 ] ثم إنه سبحانه وتعالى جعل الأرض ساترة لقبائحك بعد مماتك ، فقال : ( ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا ) [ المرسلات : 25 ، 26 ] . ( منها خلقناكم وفيها نعيدكم ) ثم إنه سبحانه وتعالى جمع هذه المنافع العظيمة للسماء والأرض فقال : ( وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض ) [ الجاثية : 13 ] .
الثالثة عشرة : ما فيها من الأحجار المختلفة ، ففي صغارها ما يصلح للزينة فتجعل فصوصها للخواتم ، وفي كبارها ما يتخذ للأبنية ، فانظر إلى الحجر الذي تخرج النار منه مع كثرته ، وانظر إلى الياقوت الأحمر مع عزته . ثم انظر إلى كثرة النفع بذلك الحقير ، وقلة النفع بهذا الشريف .
الرابعة عشرة : ما أودع الله تعالى فيها من المعادن الشريفة ، كالذهب والفضة ، ثم تأمل فإن البشر استخرجوا الحرف الدقيقة والصنائع الجليلة واستخرجوا السمكة من قعر البحر ، واستنزلوا الطير من أوج الهواء ، ثم عجزوا عن إيجاد الذهب والفضة ، والسبب فيه أنه لا فائدة في وجودهما إلا الثمنية ، وهذه الفائدة لا تحصل إلا عند العزة ، فالقادر على إيجادهما يبطل هذه الحكمة ، فلذلك ضرب الله دونهما بابا مسدودا ، إظهارا لهذه الحكمة وإبقاء لهذه النعمة ، ولذلك فإن ما لا مضرة على الخلق فيه ، مكنهم منه فصاروا متمكنين من اتخاذ الشبه من النحاس ، والزجاج من الرمل ، وإذا تأمل العاقل في هذه اللطائف والعجائب اضطر في افتقار هذه التدابير إلى صانع حكيم مقتدر عليم ، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا .
الخامسة عشرة : كثرة ما يوجد على الجبال والأراضي من الأشجار التي تصلح للبناء والسقف ، ثم الحطب . وما أشد الحاجة إليه في الخبز والطبخ . قد نبه الله تعالى على دلائل الأرض ومنافعها بألفاظ لا يبلغها البلغاء ، ويعجز عنها الفصحاء فقال : ( وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهارا ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين ) [ الرعد : 3 ] ، وأما الأنهار فمنها العظيمة كالنيل وسيحون وجيحون والفرات ، ومنها الصغار ، وهي كثيرة ، وكلها تحمل مياها عذبة للسقي والزراعة وسائر الفوائد .