أحدها : أن المرأة إذا حاضت فالله تعالى منعك عن مباشرتها ، قال الله تعالى : ( قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ) [ البقرة : 222 ] ، فإذا منعك عن مقاربتها لما عليها من النجاسة التي هي معذورة فيها ، فإذا كانت فلأن يمنعك عنهن حال كونك ملوثا بنجاسات المعاصي مع أنك غير معذور فيها كان أولى . الأزواج اللواتي في الجنة مطهرات
وثانيها : أن من قضى شهوته من الحلال فإنه يمنع الدخول في المسجد الذي يدخل فيه كل بر وفاجر ، فمن قضى شهوته من الحرام كيف يمكن من دخول الجنة التي لا يسكنها إلا المطهرون ؟ ولذلك فإن آدم لما أتى بالزلة أخرج منها .
وثالثها : من كان على ثوبه ذرة من النجاسة لا تصح صلاته عند رضي الله عنه ، فمن كان على قلبه من نجاسات المعاصي أعظم من الدنيا كيف تقبل صلاته ؟ وههنا سؤالان : الأول : هلا جاءت الصفة مجموعة كالموصوف ؟ الجواب : هما لغتان فصيحتان ، يقال : النساء فعلن والنساء فعلت . ومنه بيت الحماسة : الشافعي
وإذا العذارى بالدخان تقنعت واستعملت نصب القدور فملت
[ ص: 121 ] والمعنى وجماعة أزواج مطهرة ، وقرأ : (مطهرات) وقرأ زيد بن علي : (مطهرة) يعني متطهرة . عبيد بن عمير
السؤال الثاني : هلا قيل : طاهرة ؟ الجواب : في (المطهرة) إشعار بأن مطهرا طهرهن وليس ذلك إلا الله تعالى ، وذلك يفيد فخامة أمر أهل الثواب ، كأنه قيل : إن الله تعالى هو الذي زينهن لأهل الثواب .
أما قوله : ( وهم فيها خالدون ) فقالت المعتزلة : الخلد ههنا هو الثبات اللازم والبقاء الدائم الذي لا ينقطع ، واحتجوا عليه بالآية والشعر ، أما الآية فقوله : ( وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون ) [ الأنبياء : 34 ] ، فنفى الخلد عن البشر مع أنه تعالى أعطى بعضهم العمر الطويل ، والمنفي غير المثبت ، فالخلد هو البقاء الدائم ، وأما الشعر فقول امرئ القيس :
وهل يعمن إلا سعيد مخلد قليل هموم ما يبيت بأوجال
وقال أصحابنا : الخلد هو الثبات الطويل سواء دام أو لم يدم ، واحتجوا فيه بالآية والعرف ، أما الآية فقوله تعالى : ( خالدين فيها أبدا ) [ النساء : 169 ] ولو كان التأبيد داخلا في مفهوم الخلد لكان ذلك تكرارا ، وأما العرف فيقال : حبس فلان فلانا حبسا مخلدا ، ولأنه يكتب في صكوك الأوقاف : وقف فلان وقفا مخلدا ، فهذا هو الكلام في أن هذا اللفظ هل يدل على دوام الثواب أم لا ؟ وقال آخرون : العقل يدل على دوامه لأنه لو لم يجب دوامه لجوزوا انقطاعه فكان خوف الانقطاع ينغص عليهم تلك النعمة ؛ لأن النعمة كلما كانت أعظم كان خوف انقطاعها أعظم وقعا في القلب ، وذلك يقتضي أن لا ينفك أهل الثواب البتة من الغم والحسرة ، والله تعالى أعلم .