المسألة التاسعة عشرة : اختلفوا في المراد من قوله تعالى : ( ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل     ) فذكروا وجوها : 
أحدها : أراد به قطيعة الرحم  وحقوق القرابات التي أمر الله بوصلها ، وهو كقوله تعالى : ( فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم    ) [ محمد : 22 ] وفيه إشارة إلى أنهم قطعوا ما بينهم وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - من القرابة ، وعلى هذا التأويل تكون الآية خاصة . 
وثانيها : أن الله تعالى أمرهم أن يصلوا حبلهم بحبل المؤمنين فهم انقطعوا عن المؤمنين واتصلوا بالكفار ، فذاك هو المراد من قوله : ( ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل    ) . 
وثالثها : أنهم نهوا عن التنازع وإثارة الفتن وهم كانوا مشتغلين بذلك . 
المسألة العشرون : أما قوله تعالى : ( ويفسدون في الأرض    )  فالأظهر أن يراد به الفساد الذي يتعدى دون ما يقف عليهم . والأظهر أن المراد منه الصد عن طاعة الرسول    - عليه الصلاة والسلام - لأن تمام الصلاح في الأرض بالطاعة ؛ لأن بالتزام الشرائع يلتزم الإنسان كل ما لزمه ، ويترك التعدي إلى الغير ، ومنه زوال التظالم ، وفي زواله العدل الذي قامت به السماوات والأرض ، قال تعالى فيما حكى عن فرعون  أنه قال : ( إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد    ) [ غافر : 26 ] ، ثم إنه سبحانه وتعالى أخبر أن من فعل هذه الأفاعيل خاسر فقال : ( أولئك هم الخاسرون    ) وفي هذا الخسران وجوه : 
أحدها : أنهم خسروا نعيم الجنة لأنه لا أحد إلا وله في الجنة أهل ومنزل ، فإن أطاع الله وجده ، وإن عصاه ورثه المؤمنون ، فذلك قوله تعالى : ( أولئك هم الوارثون  الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون    ) [ المؤمنون : 10 : 11 ] ، وقال : ( إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة    ) [ الشورى : 45 ] . 
وثانيها : أنهم خسروا حسناتهم التي عملوها لأنهم أحبطوها بكفرهم فلم يصل لهم منها خير ولا ثواب ، والآية في اليهود ولهم أعمال في شريعتهم ، وفي المنافقين وهم يعملون في الظاهر ما يعمله المخلصون فحبط ذلك كله . 
وثالثها : أنهم إنما أصروا على الكفر خوفا من أن تفوتهم اللذات العاجلة ، ثم إنها تفوتهم إما عندما يصير الرسول - صلى الله عليه وسلم - مأذونا في الجهاد أو عند موتهم . وقال القفال  رحمه الله تعالى : وبالجملة أن الخاسر اسم عام يقع على كل من عمل عملا لا يجزى عليه فيقال له خاسر ، كالرجل الذي إذا تعنى وتصرف في أمر فلم يحصل منه على نفع قيل له : خاب وخسر ؛ لأنه كمن أعطى شيئا ولم يأخذ بإزائه ما يقوم مقامه ، فسمى الكفار الذين يعملون بمعاصي الله خاسرين ، قال تعالى : ( إن الإنسان لفي خسر  إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات    ) [ العصر : 2 ، 3 ] ، وقال : ( قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا  الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا    ) [ الكهف : 103 ، 104 ] ، والله أعلم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					