المسألة الأولى : الجمهور الأعظم من علماء الدين اتفقوا على ومن عصمة كل الملائكة عن جميع الذنوب الحشوية من خالف في ذلك ولنا وجوه :
[ ص: 153 ]
الأول : قوله تعالى : ( لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ) [التحريم : 6] إلا أن هذه الآية مختصة بملائكة النار ، فإذا أردنا الدلالة العامة تمسكنا بقوله تعالى : ( يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون ) [النحل : 50] فقوله : ( ويفعلون ما يؤمرون ) يتناول جميع فعل المأمورات وترك المنهيات ؛ لأن المنهي عن الشيء مأمور بتركه ، فإن قيل : ما الدليل على أن قوله : ( ويفعلون ما يؤمرون ) يفيد العموم ؟ قلنا : لأنه لا شيء من المأمورات إلا ويصح الاستثناء منه ، والاستثناء يخرج من الكلام ما لولاه لدخل على ما بيناه في أصول الفقه .
والثاني : قوله تعالى : ( بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون ) [الأنبياء : 26 - 27 ] فهذا صريح في براءتهم عن المعاصي ، وكونهم متوقفين في كل الأمور إلا بمقتضى الأمر والوحي .
والثالث : أنه تعالى حكى عنهم أنهم طعنوا في البشر بالمعصية ولو كانوا من العصاة لما حسن منهم ذلك الطعن .
الرابع : أنه تعالى حكى عنهم أنهم يسبحون الليل والنهار لا يفترون ، ومن كان كذلك امتنع صدور المعصية منه ، واحتج المخالف بوجوه :
الأول : أنه تعالى حكى عنهم أنهم قالوا : ( أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ) وهذا يقتضي صدور الذنب عنهم ، ويدل على ذلك وجوه :
أحدها : أن قولهم : أتجعل فيها هذا اعتراض على الله تعالى ، وذلك من أعظم الذنوب .
وثانيها : أنهم طعنوا في بني آدم بالفساد والقتل وذلك غيبة ، والغيبة من كبائر الذنوب .
وثالثها : أنهم بعد أن طعنوا في بني آدم مدحوا أنفسهم بقولهم : ( ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ) وأنهم قالوا : ( وإنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون ) [الصافات : 165- 166] وهذا للحصر ، فكأنهم نفوا كون غيرهم كذلك ، وهذا يشبه العجب والغيبة وهو من الذنوب المهلكة ، قال عليه السلام : ( ) . ثلاث مهلكات ، وذكر فيها إعجاب المرء بنفسه
وقال تعالى : ( فلا تزكوا أنفسكم ) [النجم : 32] .
ورابعها : أن قولهم : لا علم لنا إلا ما علمتنا يشبه الاعتذار فلولا تقدم الذنب وإلا لما اشتغلوا بالعذر .
وخامسها : أن قوله : ( أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين ) [البقرة : 31] يدل على أنهم كانوا كاذبين فيما قالوه أولا .
وسادسها : أن قوله : ( ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون ) [البقرة : 33] يدل على أن الملائكة ما كانوا عالمين بذلك قبل هذه الواقعة ، وأنهم كانوا شاكين في كون الله تعالى عالما بكل المعلومات .
وسابعها : أن علمهم يفسدون ويسفكون الدماء ، إما أن يكون قد حصل بالوحي إليهم في ذلك أو قالوه استنباطا ، والأول بعيد ؛ لأنه إذا أوحى الله تعالى ذلك إليهم لم يكن لإعادة ذلك الكلام فائدة ، فثبت أنهم قالوه عن الاستنباط والظن ، والقدح في الغير على سبيل الظن غير جائز ؛ لقوله تعالى : ( ولا تقف ما ليس لك به علم ) [الإسراء : 36] وقال : ( وإن الظن لا يغني من الحق شيئا ) [النجم : 28] . وثامنها : روي عن رضي الله عنه ما أنه قال : إن الله سبحانه وتعالى قال للملائكة الذين كانوا جند إبليس في محاربة الجن : ( ابن عباس إني جاعل في الأرض خليفة ) فقالت الملائكة مجيبين له سبحانه : [ ص: 154 ] ( أتجعل فيها من يفسد فيها ) ثم علموا غضب الله عليهم فقالوا : ( سبحانك لا علم لنا ) [البقرة : 32] وروي عن الجن وقتادة أن الله تعالى لما أخذ في خلق آدم همست الملائكة فيما بينهم وقالوا : ليخلق ربنا ما شاء أن يخلق فلن يخلق خلقا إلا كنا أعظم منه وأكرم عليه ، فلما خلق آدم عليه السلام وفضله عليهم ( وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين ) [البقرة : 31] في أني لا أخلق خلقا إلا وأنتم أفضل منه ففزع القوم عند ذلك إلى التوبة و ( قالوا سبحانك لا علم لنا ) [البقرة : 32] وفي بعض الروايات أنهم لما قالوا : أتجعل فيها ، أرسل الله عليهم نارا فأحرقتهم .
الشبهة الثانية : تمسكوا بقصة هاروت وماروت ، وزعموا أنهما كانا ملكين من الملائكة ، وأنهما لما نظرا إلى ما يصنع أهل الأرض من المعاصي أنكرا ذلك وأكبراه ودعوا على أهل الأرض ، فأوحى الله تعالى إليهما إني لو ابتليتكما بما ابتليت به بني آدم من الشهوات لعصيتماني ، فقالا : يا رب لو ابتليتنا لم نفعل فجربنا ، فأهبطهما إلى الأرض وابتلاهما الله بشهوات بني آدم ، فمكثا في الأرض ، وأمر الله الكوكب المسمى بالزهرة والملك الموكل به فهبطا إلى الأرض ، فجعلت الزهرة في صورة امرأة والملك في صورة رجل ، ثم إن الزهرة اتخذت منزلا وزينت نفسها ودعتهما إلى نفسها ، ونصب الملك نفسه في منزلها في مثال صنم ، فأقبلا إلى منزلها ودعواها إلى الفاحشة ، فأبت عليهما إلا أن يشربا خمرا ، فقالا : لا نشرب الخمر ، ثم غلبت الشهوة عليهما فشربا ، ثم دعواها إلى ذلك ، فقالت : بقيت خصلة لست أمكنكما من نفسي حتى تفعلاها ، قالا : وما هي ؟ قالت : تسجدان لهذا الصنم ، فقالا : لا نشرك بالله ، ثم غلبت الشهوة عليهما فقالا : نفعل ثم نستغفر ، فسجدا للصنم فارتفعت الزهرة وملكها إلى موضعهما من السماء ، فعرفا حينئذ أنه إنما أصابهما ذلك بسبب تعيير بني آدم ، وفي رواية أخرى أن الزهرة كانت فاجرة من أهل الأرض ، وإنما واقعاها بعد أن شربا الخمر ، وقتلا النفس ، وسجدا للصنم ، وعلماها الاسم الأعظم الذي كانا به يعرجان إلى السماء ، فتكلمت المرأة بذلك الاسم وعرجت إلى السماء ، فمسخها الله تعالى وصيرها هذا الكوكب المسمى بالزهرة ، ثم إن الله تعالى عرف هاروت وماروت قبيح ما فيه وقعا ، ثم خيرهما بين عذاب الآخرة آجلا وبين عذاب الدنيا عاجلا ، فاختارا عذاب الدنيا ، فجعلهما ببابل منكوسين في بئر إلى يوم القيامة ، وهما يعلمان الناس السحر ويدعوان إليه ولا يراهما أحد إلا من ذهب إلى ذلك الموضع لتعلم السحر خاصة ، وتعلقوا في ذلك بقوله تعالى : ( واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان ) [البقرة : 102] . الشبهة الثالثة : أن إبليس كان من الملائكة المقربين ، ثم إنه عصى الله تعالى وكفر ، وذلك يدل على صدور المعصية من جنس الملائكة .
الشبهة الرابعة : قوله تعالى : ( وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة ) [المدثر : 31] قالوا : فدل هذا على أن الملائكة يعذبون ، لأن أصحاب النار لا يكونون إلا ممن يعذب فيها كما قال : ( أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) والجواب عن الشبهة الأولى أن نقول : أما الوجه الأول وهو قولهم : إنهم اعترضوا على الله تعالى ، وهذا من أعظم الذنوب ، فنقول : إنه ليس غرضهم من ذلك السؤال تنبيه الله على شيء كان غافلا عنه ، فإن من اعتقد ذلك في الله فهو كافر ، ولا الإنكار على الله تعالى في فعل فعله ، بل المقصود من ذلك السؤال أمور : [ ص: 155 ] أحدها : أن الإنسان إذا كان قاطعا بحكمة غيره ، ثم رأى أن ذلك الغير يفعل فعلا لا يقف على وجه الحكمة فيه ، فيقول له : أتفعل هذا كأنه يتعجب من كمال حكمته وعلمه ، ويقول : إعطاء هذه النعم لمن يفسد من الأمور التي لا تهتدي العقول فيها إلى وجه الحكمة ، فإذا كنت تفعلها واعلم أنك لا تفعلها إلا لوجه دقيق وسر غامض أنت مطلع عليه ، فما أعظم حكمتك وأجل علمك ، فالحاصل أن قوله : ( أتجعل فيها من يفسد فيها ) كأنه تعجب من كمال علم الله تعالى وإحاطة حكمته بما خفي على كل العقلاء .
وثانيها : أن إيراد الإشكال طلبا للجواب غير محذور ، فكأنهم قالوا : إلهنا أنت الحكيم الذي لا يفعل السفه البتة ، ونحن نرى في العرف أن تمكين السفيه من السفه سفه ، فإذا خلقت قوما يفسدون ويقتلون وأنت مع علمك أن حالهم كذلك خلقتهم ومكنتهم وما منعتهم عن ذلك فهذا يوهم السفه ، وأنت الحكيم المطلق ، فكيف يمكن الجمع بين الأمرين ؟ فكأن الملائكة أوردوا هذا السؤال طلبا للجواب ، وهذا جواب المعتزلة قالوا : وهذا يدل على أن الملائكة لم يجوزوا صدور القبيح من الله تعالى ، وكانوا على مذهب أهل العدل ، قالوا : والذي يؤكد هذا الجواب وجهان :
أحدهما : أنهم أضافوا الفساد وسفك الدماء إلى المخلوقين لا إلى الخالق .
والثاني : أنهم قالوا : ( ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ) لأن التسبيح تنزيه ذاته عن صفة الأجسام ، والتقديس تنزيه أفعاله عن صفة الذم ونعت السفه .
وثالثها : أن الشرور وإن كانت حاصلة في تركيب هذا العالم السفلي إلا أنها من لوازم الخيرات الحاصلة فيه ، وخيراتها غالبة على شرورها ، وترك الخير الكثير لأجل الشر القليل شر كثير ، فالملائكة ذكروا تلك الشرور ، فأجابهم الله تعالى بقوله : ( إني أعلم ما لا تعلمون ) يعني أن الخيرات الحاصلة من أجل تراكيب العالم السفلي أكثر من الشرور الحاصلة فيها ، والحكمة تقتضي إيجاد ما هذا شأنه لا تركه ، وهذا جواب الحكماء .
ورابعها : أن سؤالهم كان على وجه المبالغة في إعظام الله تعالى فإن العبد المخلص لشدة حبه لمولاه يكره أن يكون له عبد يعصيه .
وخامسها : أن أتجعل فيها من يفسد فيها ) مسألة منهم أن يجعل الأرض أو بعضها لهم إن كان ذلك صلاحا ، فكأنهم قالوا : يا إلهنا اجعل الأرض لنا لا لهم كما قال موسى عليه السلام : ( قول الملائكة : ( أتهلكنا بما فعل السفهاء منا ) [الأعراف : 155] والمعنى لا تهلكنا ، فقال تعالى : ( إني أعلم ما لا تعلمون ) من صلاحكم وصلاح هؤلاء الذين أجعلهم في الأرض ، فبين بذلك أنه اختار لهم السماء خاصة ، ولهؤلاء الأرض خاصة لعلمه بصلاح ذلك في أديانهم ليرضى كل فريق بما اختاره الله له .
سادسها : أنهم طلبوا الحكمة التي لأجلها خلقهم مع هذا الفساد والقتل .
وسابعها : قال القفال يحتمل أن الله تعالى لما أخبرهم أنه يجعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها ، أي ستفعل ذلك فهو إيجاب خرج مخرج الاستفهام قال جرير :
ألستم خير من ركب المطايا وأندى العالمين بطون راح
أي أنتم كذلك ، ولو كان استفهاما لم يكن مدحا ، ثم قالت الملائكة : إنك تفعل ذلك ، ونحن مع هذا نسبح بحمدك ونقدس لما أنا نعلم أنك لا تفعل إلا الصواب والحكمة ، فلما قالوا ذلك قال الله تعالى لهم : ( إني أعلم ما لا تعلمون ) كأنه قال - والله أعلم - نعم ما فعلتم حيث لم تجعلوا ذلك قادحا في حكمتي ، فإني أعلم ما لا تعلمون ، فأنتم علمتم ظاهرهم وهو الفساد والقتل ، وما علمتم باطنهم ، وأنا أعلم ظاهرهم وباطنهم [ ص: 156 ] فأعلم من بواطنهم أسرارا خفية وحكما بالغة تقتضي خلقهم وإيجادهم .
أما الوجه الثاني : وهو أنهم ذكروا بني آدم بما لا ينبغي وهو الغيبة ، فالجواب أن محل الإشكال في خلق بني آدم إقدامهم على الفساد والقتل ، ومن أراد إيراد السؤال وجب أن يتعرض لمحل الإشكال لا لغيره ، فلهذا السبب ذكروا من بني آدم هاتين الصفتين ، وما ذكروا منهم عبادتهم وتوحيدهم ؛ لأن ذلك ليس محل الإشكال .
أما الوجه الثالث : وهو أنهم مدحوا أنفسهم ، وذلك يوجب العجب وتزكية النفس .
فالجواب : أن غير ممنوع منه مطلقا لقوله : ( مدح النفس وأما بنعمة ربك فحدث ) [الضحى : 11] وأيضا فيحتمل أن يكون قولهم : ( ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ) ليس المراد مدح النفس ، بل المراد بيان أن هذا السؤال ما أوردناه لنقدح به في حكمتك يا رب ، فإنا نسبح بحمدك ونعترف لك بالإلهية والحكمة ، فكأن الغرض من ذلك بيان أنهم ما أوردوا السؤال للطعن في الحكمة والإلهية ، بل لطلب وجه الحكمة على سبيل التفصيل .
أما الوجه الرابع : وهو أن لا علم لنا إلا ما علمتنا ) [البقرة : 32] ، يشبه الاعتذار فلا بد من سبق الذنب ، قلنا : نحن نسلم أن الأولى للملائكة أن لا يوردوا ذلك السؤال ، فلما تركوا هذا الأولى كان ذلك الاعتذار اعتذارا من ترك الأولى ، فإن قيل : أليس أنه تعالى قال : ( قولهم : ( لا يسبقونه بالقول ) [الأنبياء : 27] فهذا السؤال وجب أن يكون بإذن الله تعالى ، وإذا كانوا مأذونين في هذا السؤال فكيف اعتذروا عنه ؟ قلنا العام قد يتطرق إليه التخصيص .
أما الوجه الخامس : وهو أن ، إما أن يكون حصل عن الوحي أو قالوه استنباطا وظنا ، قلنا : اختلف العلماء فيه ، فمنهم من قال : إنهم ذكروا ذلك ظنا ثم ذكروا فيه وجهين : إخبار الملائكة عن الفساد وسفك الدماء
الأول : وهو مروي عن ابن عباس والكلبي أنهم قاسوه على حال الجن الذين كانوا قبل آدم عليه السلام في الأرض .
الثاني : أنهم عرفوا خلقته وعرفوا أنه مركب من هذه الأخلاط الأربعة فلا بد وأن تتركب فيه الشهوة والغضب ، فيتولد الفساد عن الشهوة ، وسفك الدماء عن الغضب ، ومنهم من قال : إنهم قالوا ذلك على اليقين وهو مروي عن ابن مسعود وناس من الصحابة ، ثم ذكروا فيه وجوها :
أحدها : أنه تعالى لما قال للملائكة : ( إني جاعل في الأرض خليفة ) قالوا : ربنا وما يكون ذلك الخليفة ؟ قال : يكون له ذرية يفسدون في الأرض ويتحاسدون ، ويقتل بعضهم بعضا ، فعند ذلك قالوا : ربنا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ؟ .
وثانيها : أنه تعالى كان قد أعلم الملائكة أنه إذا كان في الأرض خلق عظيم أفسدوا فيها وسفكوا الدماء .
وثالثها : قال ابن زيد لما خلق الله تعالى النار خافت الملائكة خوفا شديدا فقالوا : ربنا لمن خلقت هذه النار ؟ قال لمن عصاني من خلقي ، ولم يكن لله يومئذ خلق إلا الملائكة ، ولم يكن في الأرض خلق البتة ، فلما قال : ( إني جاعل في الأرض خليفة ) عرفوا أن المعصية تظهر منهم .
ورابعها : لما كتب القلم في اللوح ما هو كائن إلى يوم القيامة ، فلعلهم طالعوا اللوح فعرفوا ذلك .
وخامسها : إذا كان معنى الخليفة من يكون نائبا لله تعالى في الحكم والقضاء ، والاحتجاج إلى الحاكم والقاضي إنما يكون عند التنازع والتظالم ، كان الإخبار عن وجود الخليفة إخبارا عن وقوع الفساد والشر بطريق [ ص: 157 ] الالتزام ، قال أهل التحقيق : والقول بأنه كان هذا الإخبار عن مجرد الظن - باطل ؛ لأنه قدح في الغير بما لا يأمن أن يكون كاذبا فيه ، وذلك ينافي العصمة والطهارة .
أما الوجه السادس : هو الأخبار التي ذكروها ، فهي من باب أخبار الآحاد فلا تعارض الدلائل التي ذكرناها .
أما الشبهة الثانية : وهي قصة هاروت وماروت ، فالجواب عنها أن القصة التي ذكروها باطلة من وجوه :
أحدها : أنهم ذكروا في القصة أن الله تعالى قال لهما : لو ابتليتكما بما ابتليت به بني آدم لعصيتماني ، فقالا : لو فعلت ذلك بنا يا رب لما عصيناك ، وهذا منهم تكذيب لله تعالى وتجهيل له ، وذلك من صريح الكفر ، والحشوية سلموا أنهما كانا قبل الهبوط إلى الأرض معصومين .
وثانيها : في القصة أنهما خيرا بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة ، وذلك فاسد بل كان الأولى أن يخيرا بين التوبة ، وبين العذاب ، والله تعالى خير بينهما من أشرك به طول عمره وبالغ في إيذاء أنبيائه .
وثالثها : في القصة أنهما يعلمان السحر حال كونهما معذبين ويدعوان إليه وهما معاقبان على المعصية .
ورابعها : أن المرأة الفاجرة كيف يعقل أنها لما فجرت صعدت إلى السماء ، وجعلها الله تعالى كوكبا مضيئا وعظم قدره بحيث أقسم به حيث قال : ( فلا أقسم بالخنس الجواري الكنس ) [التكوير : 15 - 16] فهذه القصة قصة ركيكة يشهد كل عقل سليم بنهاية ركاكتها ، وأما الكلام في تعليم السحر فسيأتي في تفسير تلك الآية في موضعها إن شاء الله تعالى .
وأما الشبهة الثالثة : فسنتكلم في بيان أن . إبليس ما كان من الملائكة
وأما الشبهة الرابعة : وهي قوله : ( وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة ) [المدثر : 31] فهذا لا يدل على كونهم معذبين في النار ، وقوله : ( أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) [يونس : 27] لا يدل أيضا على كونهم معذبين بالنار بمجرد هذه الآية ، بل إنما عرف ذلك بدليل آخر فقوله : ( وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة ) [المدثر : 31] يريد به خزنة النار والمتصرفين فيها والمدبرين لأمرها ، والله أعلم .