المسألة الثانية: هل يعتبر الكمال في الطرفين أو يعتبر في كل واحد منهما كماله بنفسه دون صاحبه؟ فيه قولان، أحدهما: معتبر في الطرفين حتى لو وطئ الصبي بالغة حرة عاقلة فإنه لا يحصنها ، وهو قول أبي حنيفة ومحمد . والثاني: يعتبر في كل واحد منهما كماله بنفسه ، وهو قول أبي يوسف رحمه الله.
حجة القول الأول: أنه وطء لا يفيد الإحصان لأحد الواطئين ، فلا يفيد في الآخر كوطء الأمة.
حجة القول الثاني: أنه لا يشترط كونهما على صفة وكذا عند الدخول. الشرط الرابع: الإسلام ليس شرطا في كون الزنا موجبا للرجم عند الإحصان وقت النكاح رحمه الله الشافعي وأبي يوسف، وقال رحمه الله: شرط، احتج أبو حنيفة بأمور. الشافعي
أحدها: قوله عليه السلام : " " ومن جملة ما على المسلم كونه بحيث يجب عليه الرجم عند الإقدام على الزنا، فوجب أن يكون الذمي كذلك لتحصل التسوية. فإذا قبلوا الجزية فأنبئوهم أن لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين
وثانيها: حديث مالك عن نافع عن ابن عمر , فإما أن يقال: إنه عليه السلام حكم بذلك بشريعته أو بشريعة من قبله، فإن كان الأول فالاستدلال به بين، وإن كان الثاني فكذلك ؛ لأنه صار شرعا له. أنه عليه السلام رجم يهوديا ويهودية زنيا
وثالثها: أن مثل زنا المسلم فيجب عليه مثل ما يجب على المسلم; وذلك لأن الزنا محرم قبيح فيناسبه الزجر، وإيجاب الرجم يصلح زاجرا له ، ولا يبقى إلا التفاوت بالكفر والإيمان، والكفر وإن كان لا يوجب تغليظ الجناية فلا يوجب تخفيفها، واحتج زنا الكافر رحمه الله بوجوه. أبو حنيفة
أحدها: التمسك بعموم قوله : ( الزانية والزاني ) وجب العمل به في حق المسلم ولا يجب في الذمي لمعنى مفقود في الذمي، ووجه الفرق أن القتل بالأحجار عقوبة عظيمة فلا يجب إلا بجناية عظيمة، والجناية تعظم بكفران النعم في حق الجاني عقلا وشرعا، أما العقل فلأن المعصية كفران النعمة, وكلما كانت النعم أكثر وأعظم كان كفرانها أعظم وأقبح، وأما الشرع فلأن الله تعالى قال في حق نساء النبي صلى الله عليه وسلم : ( يانساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين ) [الأحزاب: 30] فلما وقال في حق الرسول: ( كانت نعم الله تعالى في حقهن أكثر كان العذاب في حقهن أكثر، لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ) [الإسراء: 74، 75] وإنما عظمت معصيته لأن النعمة في حقه أعظم وهي نعمة النبوة، ومن المعلوم أن نعم الله تعالى في حق المسلم المحصن أكثر منها في حق الذمي، فكانت معصية المسلم أعظم ، فوجب أن تكون عقوبته أشد.
وثانيها: أن الذمي لم يزن بعد الإحصان فلا يجب عليه القتل. بيان الأول: قوله عليه السلام : " ". بيان الثاني: أن المسلم الذي لا يكون محصنا لا يجب عليه القتل; لقوله عليه السلام : " من أشرك بالله طرفة عين فليس بمحصن " وإذا كان المسلم كذلك وجب أن يكون الذمي كذلك لقوله عليه السلام : " لا يحل دم امرئ مسلم إلا لإحدى ثلاث ". إذا قبلوا عقد الجزية فأعلمهم أن لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين
وثالثها: أجمعنا على أن فكذا إحصان الرجم, والجامع ما ذكرنا من كمال النعمة. والجواب عن الأول: أنه خص به الثيب المسلم ، فكذا الثيب الذمي، وما ذكروه من حديث زيادة النعمة على المؤمنين فنقول: نعمة [ ص: 124 ] الإسلام حصلت بكسب العبد, فيصير ذلك كالخدمة الزائدة، وزيادة الخدمة إن لم تكن سببا للعذر فلا أقل من أن لا تكون سببا لزيادة العقوبة، وعن الثاني : لا نسلم أن الذمي مشرك. سلمناه، لكن الإحصان قد يراد به التزوج لقوله تعالى : ( إحصان القذف يعتبر فيه الإسلام، والذين يرمون المحصنات ) [النور: 4] وفي التفسير: ( فإذا أحصن ) [النساء: 25] يعني فإذا تزوجن . إذا ثبت هذا فنقول: الذمي الثيب محصن بهذا التفسير فوجب رجمه; لقوله صلى الله عليه وسلم: " " رتب الحكم في حق المسلم على هذا الوصف فدل على كون الوصف علة, والوصف قائم في حق الذمي، فوجب كونه مستلزما للحكم بالرجم. أو زنا بعد إحصان
وعن الثالث أن حد القذف لدفع العار كرامة للمقذوف، والكافر لا يكون محلا للكرامة وصيانة العرض بخلاف ما هاهنا. والله أعلم.
أما ما يتعلق بالجلد ففيه مسائل :
المسألة الأولى: اتفقوا على أن الرقيق لا يرجم, واتفقوا على أنه يجلد، وثبت بنص الكتاب أن على الإماء نصف ما على المحصنات من العذاب، فلا جرم اتفقوا على أن أما الأمة تجلد خمسين جلدة، ، إلا أهل الظاهر فإنهم قالوا: عموم قوله : ( العبد فقد اتفق الجمهور على أنه يجلد أيضا خمسين الزانية والزاني ) يقتضي وجوب المائة على العبد والأمة إلا أنه ورد النص بالتنصيف في حق الأمة، فلو قسنا العبد عليها كان ذلك تخصيصا لعموم الكتاب بالقياس وأنه غير جائز، ومنهم من قال: الأمة إذا تزوجت فعليها خمسون جلدة , وإذا لم تتزوج فعليها المائة، لظاهر قوله تعالى : ( فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ) وذكروا أن قوله : ( فإذا أحصن ) [النساء: 25] أي: تزوجن ( فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ) [النساء: 25].