الأول : أن ذلك السجود كان لله تعالى وآدم عليه السلام كان كالقبلة ، ومن الناس من طعن في هذا القول من وجهين :
الأول : أنه لا يقال صليت للقبلة بل يقال صليت إلى القبلة فلو كان آدم عليه السلام قبلة لذلك السجود لوجب أن يقال اسجدوا إلى آدم فلما لم يرد الأمر هكذا بل قيل : اسجدوا لآدم علمنا أن آدم عليه السلام لم يكن قبلة .
الثاني : أن إبليس قال : ( أرأيتك هذا الذي كرمت علي ) أي أن كونه مسجودا يدل على أنه أعظم حالا من الساجد ولو كان قبلة لما حصلت هذه الدرجة بدليل أن محمدا عليه الصلاة والسلام كان يصلي إلى الكعبة ولم يلزم أن تكون الكعبة أفضل من محمد صلى الله عليه وسلم .
والجواب عن الأول أنه كما لا يجوز أن يقال : صليت إلى القبلة جاز أن يقال صليت للقبلة والدليل [ ص: 195 ] عليه القرآن والشعر ، أما القرآن فقوله تعالى : ( أقم الصلاة لدلوك الشمس ) [الإسراء : 78] والصلاة لله لا للدلوك ، فإذا جاز ذلك فلم لا يجوز أن يقال صليت للقبلة مع أن الصلاة تكون لله تعالى لا للقبلة ؟ وأما الشعر فقول حسان :
ما كنت أعرف أن الأمر منصرف عن هاشم ثم منها عن أبي حسن
أليس أول من صلى لقبلتكم
وأعرف الناس بالقرآن والسنن ؟
فقوله صلى لقبلتكم نص على المقصود ، والجواب عن الثاني أن إبليس شكا تكريمه ، وذلك التكريم لا نسلم أنه حصل بمجرد تلك المسجودية بل لعله حصل بذلك مع أمور أخر فهذا ما في القول الأول ، أما القول الثاني فهو أن السجدة كانت لآدم عليه السلام تعظيما له وتحية له كالسلام منهم عليه ، وقد كانت الأمم السالفة تفعل ذلك كما يحيي المسلمون بعضهم بعضا بالسلام ، وقال قتادة في قوله : ( وخروا له سجدا ) [يوسف : 100] كانت تحية الناس يومئذ سجود بعضهم لبعض . وعن صهيب معاذا لما قدم من اليمن سجد للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : " يا معاذ ما هذا ؟ قال : إن اليهود تسجد لعظمائها وعلمائها ورأيت النصارى تسجد لقسسها وبطارقتها قلت : ما هذا ؟ قالوا : تحية الأنبياء ، فقال عليه السلام كذبوا على أنبيائهم " . أن
وعن الثوري عن سماك بن هانئ قال : دخل الجاثليق على فأراد أن يسجد له فقال له علي بن أبي طالب علي : اسجد لله ولا تسجد لي .
وقال عليه الصلاة والسلام : " " . لو أمرت أحدا أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها لعظم حقه عليها
القول الثالث : أن السجود في أصل اللغة هو الانقياد والخضوع ، قال الشاعر :
ترى الأكم فيها سجدا للحوافر
أي تلك الجبال الصغار كانت مذللة لحوافر الخيل ، ومنه قوله تعالى : ( والنجم والشجر يسجدان ) [الرحمن : 6] واعلم أن القول الأول ضعيف ؛ لأن المقصود من هذه القصة شرح آدم عليه السلام ، وجعله مجرد القبلة لا يفيد تعظيم حاله ، وأما القول الثالث فضعيف أيضا ؛ لأن السجود لا شك أنه في عرف الشرع عبارة عن وضع الجبهة على الأرض فوجب أن يكون في أصل اللغة كذلك لأن الأصل عدم التغيير فإن قيل : السجود عبادة والعبادة لغير الله لا تجوز ، قلنا لا نسلم أنه عبادة ، بيانه أن الفعل قد يصير بالمواضعة مفيدا كالقول ، يبين ذلك أن قيام أحدنا للغير يفيد من الإعظام ما يفيده القول ، وما ذاك إلا للعادة ، وإذا ثبت ذلك لم يمتنع أن يكون في بعض الأوقات سقوط الإنسان على الأرض وإلصاقه الجبين بها مفيدا ضربا من التعظيم ، وإن لم يكن ذلك عبادة ، وإذا كان كذلك لم يمتنع أن يتعبد الله الملائكة بذلك إظهارا لرفعته وكرامته . تعظيم