[ ص: 3 ] بسم الله الرحمن الرحيم ( وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين )
قوله تعالى : ( وقلنا ياآدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين ) اعلم أن هنا مسائل :
( المسألة الأولى ) : اختلفوا في أن قوله : ( اسكن ) أمر تكليف أو إباحة ، فالمروي عن قتادة أنه قال : إن آدم بإسكان الجنة كما ابتلى الملائكة بالسجود ؛ وذلك لأنه كلفه بأن يكون في الجنة يأكل منها حيث شاء ، ونهاه عن شجرة واحدة أن يأكل منها ، فما زالت به البلايا حتى وقع فيما نهي عنه ، فبدت سوأته عند ذلك وأهبط من الجنة ، وأسكن موضعا يحصل فيه ما يكون مشتهى له مع أن منعه من تناوله من أشد التكاليف . الله تعالى ابتلى
وقال آخرون : إن ذلك إباحة ؛ لأن الاستقرار في المواضع الطيبة النزهة التي يتمتع فيها يدخل تحت التعبد كما أن أكل الطيبات لا يدخل تحت التعبد ، ولا يكون قوله : ( كلوا من طيبات ما رزقناكم ) [ طه : 81 ] أمرا وتكليفا بل إباحة ، والأصح أن ذلك الإسكان مشتمل على ما هو إباحة ، وعلى ما هو تكليف ، أما الإباحة فهو أنه عليه الصلاة والسلام كان مأذونا في الانتفاع بجميع نعم الجنة ، وأما التكليف فهو أن المنهي عنه كان حاضرا وهو كان ممنوعا عن تناوله ، قال بعضهم : لو قال رجل لغيره أسكنتك داري لا تصير الدار ملكا له ، فههنا لم يقل الله تعالى : وهبت منك الجنة ، بل قال : أسكنتك الجنة ، وإنما لم يقل ذلك ؛ لأنه خلقه لخلافة الأرض ، فكان إسكان الجنة كالتقدمة على ذلك .
( المسألة الثانية ) : لآدم وأبى إبليس السجود صيره الله ملعونا ، ثم أمر أن الله تعالى لما أمر الكل بالسجود آدم بأن يسكنها مع زوجته .
واختلفوا في الوقت الذي خلقت زوجته فيه ، فذكر السدي عن ابن عباس وناس من الصحابة : أن الله تعالى لما أخرج إبليس من الجنة وأسكن وابن مسعود آدم الجنة فبقي فيها وحده وما كان معه من يستأنس به ، فألقى الله تعالى عليه النوم ثم أخذ ضلعا من أضلاعه من شقه الأيسر ووضع مكانه لحما ، حواء منه ، فلما استيقظ وجد عند رأسه امرأة قاعدة فسألها من أنت ؟ قالت : امرأة . قال : ولم خلقت ؟ قالت : لتسكن إلي ، فقال للملائكة : ما اسمها ؟ قالوا : وخلق حواء ، [ قال ] ولم سميت حواء ؟ قال : لأنها خلقت من شيء حي .
وعن [ ص: 4 ] عمر رضي الله عنهما ما قال : بعث الله جندا من الملائكة فحملوا وابن عباس آدم وحواء عليهما السلام على سرير من ذهب كما تحمل الملوك ، ولباسهما النور على كل واحد منهما إكليل من ذهب مكلل بالياقوت واللؤلؤ ، وعلى آدم منطقة مكللة بالدر والياقوت حتى أدخلا الجنة .
فهذا الخبر يدل على أن حواء خلقت قبل إدخال آدم الجنة ، والخبر الأول يدل على أنها خلقت في الجنة ، والله أعلم بالحقيقة .
( المسألة الثالثة ) : أجمعوا على أن المراد بالزوجة حواء ، وإن لم يتقدم ذكرها في هذه السورة وفي سائر القرآن ما يدل على ذلك وأنها مخلوقة منه ، كما قال الله تعالى في سورة النساء : ( الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها ) [ النساء : 1 ] وفي الأعراف : ( وجعل منها زوجها ليسكن إليها ) [ الأعراف : 189 ] ، وروى الحسن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " فإن أردت أن تقيمها كسرتها وإن تركتها انتفعت بها واستقامت المرأة خلقت من ضلع الرجل " . إن