الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة السادسة : في أن الساحر قد يكفر أم لا ، اختلف الفقهاء في أن الساحر هل يكفر أم لا ؟ روي [ ص: 195 ] عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " من أتى كاهنا أو عرافا فصدقهما بقول ، فقد كفر بما أنزل على محمد " عليه السلام ، واعلم أنه لا نزاع بين الأمة في أن من اعتقد أن الكواكب هي المدبرة لهذا العالم ، وهي الخالقة لما فيه من الحوادث والخيرات والشرور ، فإنه يكون كافرا على الإطلاق ، وهذا هو النوع الأول من السحر .

                                                                                                                                                                                                                                            أما النوع الثاني : وهو أن يعتقد أنه قد يبلغ روح الإنسان في التصفية والقوة إلى حيث يقدر بها على إيجاد الأجسام والحياة والقدرة وتغيير البنية والشكل ، فالأظهر إجماع الأمة أيضا على تكفيره .

                                                                                                                                                                                                                                            أما النوع الثالث : وهو أن يعتقد الساحر أنه قد يبلغ في التصفية وقراءة الرقى وتدخين بعض الأدوية ، إلى حيث يخلق الله تعالى عقيب أفعاله على سبيل العادة الأجسام والحياة والعقل وتغيير البنية والشكل ، فههنا المعتزلة اتفقوا على تكفير من يجوز ذلك ؛ قالوا : لأنه مع هذا الاعتقاد لا يمكنه أن يعرف صدق الأنبياء والرسل . وهذا ركيك من القول . فإن لقائل أن يقول : إن الإنسان لو ادعى النبوة وكان كاذبا في دعواه ، فإنه لا يجوز من الله تعالى إظهار هذه الأشياء على يده ؛ لئلا يحصل التلبيس ، أما إذا لم يدع النبوة وأظهر هذه الأشياء على يده لم يفض ذلك إلى التلبيس ، فإن المحق يتميز عن المبطل بما أن المحق تحصل له هذه الأشياء مع ادعاء النبوة ، والمبطل لا تحصل له هذه الأشياء مع ادعاء النبوة .

                                                                                                                                                                                                                                            وأما سائر الأنواع التي عددناها من السحر فلا شك أنه ليس بكفر . فإن قيل : إن اليهود لما أضافوا السحر إلى سليمان قال الله تعالى تنزيها له عنه : ( وما كفر سليمان ) وهذا يدل على أن السحر كفر على الإطلاق ، وأيضا قال : ( ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ) وهذا أيضا يقتضي أن يكون السحر على الإطلاق كفرا .

                                                                                                                                                                                                                                            وحكى عن الملكين أنهما لا يعلمان أحدا السحر حتى يقولا : ( إنما نحن فتنة فلا تكفر ) وهو يدل على أن السحر كفر على الإطلاق ، قلنا : حكاية الحال يكفي في صدقها صورة واحدة ، فنحملها على سحر من يعتقد إلهية النجوم .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية