الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            أما قوله تعالى : ( فقلنا اضربوه ببعضها ) ففيه مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : المروي عن ابن عباس أن صاحب بقرة بني إسرائيل طلبها أربعين سنة حتى وجدها ، ثم ذبحت إلا أن هذه الرواية على خلاف ظاهر القرآن لأن الفاء في قوله تعالى : ( فقلنا اضربوه ببعضها ) للتعقيب ، وذلك يدل على أن قوله : ( اضربوه ببعضها ) حصل عقيب قوله تعالى : ( إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة ) .

                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 115 ]

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : الهاء في قوله تعالى : ( اضربوه ) ضمير وهو إما أن يرجع إلى النفس وحينئذ يكون التذكير على تأويل الشخص والإنسان وإما إلى القتيل وهو الذي دل عليه قوله : ( ما كنتم تكتمون ) .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثالثة : يجوز أن يكون الله تعالى إنما أمر بذبح البقرة ؛ لأنه تعلق بذبحها مصلحة لا تحصل إلا بذبحها ، ويجوز أن يكون الحال فيها وفي غيرها على السوية والأقرب هو الأول ؛ لأنه لو قام غيرها مقامها لما وجبت على التعيين ، بل على التخير بينها وبين غيرها وهاهنا سؤالان :

                                                                                                                                                                                                                                            السؤال الأول : ما الفائدة في ضرب المقتول ببعض البقرة مع أن الله تعالى قادر على أن يحييه ابتداء ؟ .

                                                                                                                                                                                                                                            الجواب : الفائدة فيه لتكون الحجة أوكد وعن الحيلة أبعد فقد كان يجوز لملحد أن يوهم أن موسى عليه السلام إنما أحياه بضرب من السحر والحيلة ، فإنه إذا حيي عندما يضرب بقطعة من البقرة المذبوحة انتفت الشبهة في أنه لم يحي بشيء انتقل إليه من الجسم الذي ضرب به إذا كان ذلك إنما حيي بفعل فعلوه هم ، فدل ذلك على أن إعلام الأنبياء إنما يكون من عند الله لا بتمويه من العباد ، وأيضا فتقديم القربان مما يعظم أمر القربان .

                                                                                                                                                                                                                                            السؤال الثاني : هلا أمر بذبح غير البقرة ؟ وأجابوا بأن الكلام في غيرها لو أمروا به كالكلام فيه ، ثم ذكروا فيها فوائد ، منها التقرب بالقربان الذي كانت العادة به جارية ولأن هذا القربان كان عندهم من أعظم القرابين ولما فيه من مزيد الثواب لتحمل الكلفة في تحصيل هذه البقرة على غلاء ثمنها ، ولما فيه من حصول المال العظيم لمالك البقرة .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الرابعة : اختلفوا في أن ذلك البعض الذي ضربوا القتيل به ما هو ؟ والأقرب أنهم كانوا مخيرين في أبعاض البقرة لأنهم أمروا بضرب القتيل ببعض البقرة ، وأي بعض من أبعاض البقرة ضربوا القتيل به ، فإنهم كانوا ممتثلين لمقتضى قوله : ( اضربوه ببعضها ) والإتيان بالمأمور به يدل على الخروج عن العهدة على ما ثبت في أصول الفقه ، وذلك يقتضي التخيير . واختلفوا في البعض الذي ضرب به القتيل فقيل : لسانها وقيل : فخذها اليمنى وقيل : ذنبها وقيل : العظم الذي يلي الغضروف وهو أصل الآذان ، وقيل : البضعة بين الكتفين ، ولا شك أن القرآن لا يدل عليه فإن ورد خبر صحيح قبل وإلا وجب السكوت عنه .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الخامسة : في الكلام محذوف والتقدير ، فقلنا اضربوه ببعضها فضربوه ببعضها فحيي إلا أنه حذف ذلك لدلالة قوله تعالى : ( كذلك يحيي الله الموتى ) وعليه هو كقوله تعالى : ( اضرب بعصاك الحجر فانفجرت ) [البقرة : 60] أي فضرب فانفجرت ، روي أنهم لما ضربوه قام بإذن الله وأوداجه تشخب دما ، وقال قتلني فلان وفلان لابني عمه ثم سقط ميتا ; وقتلا .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية