( المسألة الثامنة ) : اختلفوا في ما هي ؟ فروى الشجرة مجاهد عن وسعيد بن جبير رضي الله عنه ما : أنها البر والسنبلة . وروي ابن عباس أن رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشجرة فقال : هي الشجرة المباركة السنبلة أبا بكر الصديق . وروى السدي عن ابن عباس أنها الكرم ، وعن وابن مسعود مجاهد وقتادة أنها التين ، وقال : كانت شجرة من أكل منها أحدث ولا ينبغي أن يكون في الجنة حدث . واعلم أنه ليس في الظاهر ما يدل على التعيين فلا حاجة أيضا إلى بيانه ؛ لأنه ليس المقصود من هذا الكلام أن يعرفنا عين تلك الشجرة وما لا يكون مقصودا في الكلام لا يجب على الحكيم أن يبينه ، بل ربما كان بيانه عبثا ؛ لأن أحدنا لو أراد أن يقيم العذر لغيره في التأخر فقال : شغلت بضرب غلماني لإساءتهم الأدب لكان هذا القدر أحسن من أن يذكر عين هذا الغلام ويذكر اسمه وصفته ، فليس لأحد أن يظن أنه وقع ههنا تقصير في البيان . الربيع بن أنس
ثم قال بعضهم : الأقرب في لفظ الشجرة أن يتناول ما له ساق وأغصان ، وقيل : لا حاجة إلى ذلك ؛ لقوله تعالى : ( وأنبتنا عليه شجرة من يقطين ) [ الصافات : 146 ] مع أنها كالزرع والبطيخ فلم يخرجه ذهابه على وجه الأرض من أن يكون شجرا ، قال : وأحسب أن كل ما تفرعت له أغصان وعيدان فالعرب تسميه شجرا في وقت تشعبه ، وأصل هذا أنه كل ما شجر أي أخذ يمنة ويسرة ، يقال : رأيت فلانا قد شجرته الرماح . وقال تعالى : ( المبرد حتى يحكموك فيما شجر بينهم ) [ النساء : 65 ] وتشاجر الرجلان في أمر كذا .
( المسألة التاسعة ) : اتفقوا على أن المراد بقوله تعالى : ( فتكونا من الظالمين ) هو أنكما إن أكلتما فقد ظلمتما أنفسكما ؛ لأن الأكل من الشجرة ظلم الغير ، وقد يكون ظالما بأن يظلم نفسه وبأن يظلم غيره [ ص: 7 ] فظلم النفس أعم وأعظم . ثم اختلف الناس ههنا على ثلاثة أقوال :
الأول : قول الحشوية الذين قالوا : إنه أقدم على الكبيرة فلا جرم كان فعله ظلما .
الثاني : قول المعتزلة الذين قالوا : إنه أقدم على الصغيرة ثم لهؤلاء قولان :
أحدهما : قول وهو أنه ظلم نفسه بأن ألزمها ما يشق عليه من التوبة والتلافي . أبي علي الجبائي
وثانيهما : قول أبي هاشم وهو أنه ظلم نفسه من حيث أحبط بعض ثوابه الحاصل ، فصار ذلك نقصا فيما قد استحقه .
الثالث : قول من ينكر صدور المعصية منهم مطلقا ، وحمل هذا الظلم على أنه فعل ما الأولى له أن لا يفعله ، ومثاله : إنسان طلب الوزارة ثم إنه تركها واشتغل بالحياكة ، فإنه يقال له : يا ظالم نفسه لم فعلت ذلك ؟ فإن قيل : ؟ والجواب أن الأولى أنه لا يطلق ذلك لما فيه من إيهام الذم . هل يجوز وصف الأنبياء عليهم السلام بأنهم كانوا ظالمين أو بأنهم كانوا ظالمي أنفسهم