(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=75أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=75أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون )
اعلم أنه سبحانه لما ذكر قبائح أفعال أسلاف
اليهود إلى هاهنا ، شرح من هنا
nindex.php?page=treesubj&link=32423_32427_31931قبائح أفعال اليهود الذين كانوا في زمن محمد صلى الله عليه وسلم ، قال
القفال رحمه الله : إن فيما ذكره الله تعالى في هذه السورة
nindex.php?page=treesubj&link=32016_32416من أقاصيص بني إسرائيل وجوها من المقصد :
أحدها : الدلالة بها على
nindex.php?page=treesubj&link=31022صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ; لأنه أخبر عنها من غير تعلم ، وذلك لا يمكن أن يكون إلا بالوحي . ويشترك في الانتفاع بهذه الدلالة
أهل الكتاب والعرب ، أما
أهل الكتاب فلأنهم كانوا يعلمون هذه القصص فلما سمعوها من
محمد من غير تفاوت أصلا ، علموا لا محالة أنه ما أخذها إلا من الوحي . وأما العرب فلما يشاهدون من أن
أهل الكتاب يصدقون
محمدا في هذه الأخبار .
وثانيها :
nindex.php?page=treesubj&link=32419_31915تعديد النعم على بني إسرائيل وما
[ ص: 122 ] من الله تعالى به على أسلافهم من أنواع الكرامة والفضل
nindex.php?page=treesubj&link=31915_31916كالإنجاء من آل فرعون بعدما كانوا مقهورين مستعبدين ، ونصره إياهم وجعلهم أنبياء وملوكا وتمكينه لهم في الأرض وفرقه بهم البحر وإهلاكه عدوهم وإنزاله النور والبيان عليهم بواسطة
nindex.php?page=treesubj&link=31912إنزال التوراة والصفح عن الذنوب التي ارتكبوها من عبادة العجل ونقض المواثيق ومسألة النظر إلى الله جهرة ، ثم ما أخرجه لهم في التيه من الماء العذب من الحجر وإنزاله عليهم المن والسلوى ووقايتهم من حر الشمس بتظليل الغمام ، فذكرهم الله هذه النعم القديمة والحديثة .
وثالثها : إخبار النبي عليه السلام بتقديم كفرهم وخلافهم وشقاقهم
nindex.php?page=treesubj&link=32426_32425وتعنتهم مع الأنبياء ومعاندتهم لهم وببلوغهم في ذلك ما لم يبلغه أحد من الأمم قبلهم ، وذلك لأنهم بعد مشاهدتهم الآيات الباهرة عبدوا العجل بعد مفارقة
موسى عليه السلام إياهم بالمدة اليسيرة ، فدل على بلادتهم ، ثم لما أمروا بدخول الباب سجدا وأن يقولوا حطة ووعدهم أن يغفر لهم خطاياهم ويزيد في ثواب محسنهم بدلوا القول وفسقوا ، ثم سألوا الفوم والبصل بدل المن والسلوى ، ثم امتنعوا من قبول التوراة بعد إيمانهم
بموسى وضمانهم له بالمواثيق أن يؤمنوا به وينقادوا لما يأتي به حتى رفع فوقهم الجبل ثم استحلوا الصيد في السبت واعتدوا ، ثم لما أمروا بذبح البقرة شافهوا
موسى عليه السلام بقولهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=67أتتخذنا هزوا ) ، ثم لما شاهدوا إحياء الموتى ازدادوا قسوة ، فكأن الله تعالى يقول : إذا كانت هذه أفعالهم فيما بينهم ومعاملاتهم مع نبيهم الذي أعزهم الله به وأنقذهم من الرق والآفة بسببه ، فغير بديع ما يعامل به أخلافهم
محمدا عليه السلام ، فليهن عليكم أيها النبي والمؤمنون ما ترونه من عنادهم وإعراضهم عن الحق .
ورابعها : تحذير
أهل الكتاب الموجودين في زمان النبي صلى الله عليه وسلم من نزول العذاب عليهم كما نزل بأسلافهم في تلك الوقائع المعدودة .
وخامسها : تحذير مشركي العرب أن ينزل العذاب عليهم كما نزل على أولئك
اليهود .
وسادسها : أنه احتجاج على مشركي العرب المنكرين للإعادة مع إقرارهم بالابتداء ، وهو المراد من قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=73كذلك يحيي الله الموتى ) إذا عرفت هذا فنقول : إنه عليه السلام كان شديد الحرص على الدعاء إلى الحق وقبولهم الإيمان منه ، وكان يضيق صدره بسبب عنادهم وتمردهم ، فقص الله تعالى عليه أخبار
بني إسرائيل في العناد العظيم مع مشاهدة الآيات الباهرة تسلية لرسوله فيما يظهر من
أهل الكتاب في زمانه من قلة القبول والاستجابة ، فقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=75أفتطمعون أن يؤمنوا لكم ) وهاهنا مسائل :
المسألة الأولى : في
nindex.php?page=treesubj&link=32427_32425_32423_28973قوله تعالى : ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=75أفتطمعون أن يؤمنوا لكم ) وجهان :
الأول : وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه خطاب مع النبي صلى الله عليه وسلم خاصة لأنه هو الداعي وهو المقصود بالاستجابة واللفظ وإن كان للعموم ، لكنا حملناه على الخصوص لهذه القرينة ، روي أنه عليه السلام حين دخل
المدينة ودعا
اليهود إلى كتاب الله وكذبوه فأنزل الله تعالى هذه الآية .
الثاني : وهو قول
الحسن أنه خطاب مع الرسول والمؤمنين . قال القاضي : وهذا أليق بالظاهر لأنه عليه السلام وإن كان الأصل في الدعاء فقد كان في الصحابة من يدعوهم إلى الإيمان ويظهر لهم الدلائل وينبههم عليها ، فصح أن يقول تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=75أفتطمعون أن يؤمنوا لكم ) ويريد به الرسول ومن هذا حاله من أصحابه وإذا كان ذلك صحيحا فلا وجه لترك الظاهر .
المسألة الثانية : المراد بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=75أن يؤمنوا لكم ) هم
اليهود الذين كانوا في زمن الرسول عليه السلام لأنهم الذين يصح فيهم الطمع في أن يؤمنوا وخلافه ; لأن الطمع إنما يصح في المستقبل لا في الواقع .
[ ص: 123 ]
المسألة الثالثة : ذكروا في سبب الاستبعاد وجوها :
أحدها : أفتطمعون أن يؤمنوا لكم مع أنهم ما آمنوا
بموسى عليه السلام ، وكان هو السبب في أن الله خلصهم من الذل وفضلهم على الكل ، ومع ظهور المعجزات المتوالية على يده وظهور أنواع العذاب على المتمردين .
الثاني : أفتطمعون أن يؤمنوا ويظهروا التصديق ومن علم منهم الحق لم يعترف بذلك ، بل غيره وبدله .
الثالث : أفتطمعون أن يؤمن لكم هؤلاء من طريق النظر والاستدلال وكيف وقد كان فريق من أسلافهم يسمعون كلام الله ويعلمون أنه حق ثم يعاندونه .
المسألة الرابعة : لقائل أن يقول : القوم مكلفون بأن يؤمنوا بالله . فما الفائدة في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=75أفتطمعون أن يؤمنوا لكم ) ؟ .
الجواب : أنه يكون إقرارا لهم بما دعوا إليه ولو كان الإيمان لله كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=26فآمن له لوط ) [العنكبوت : 26] لما أقر بنبوته وبتصديقه ، ويجوز أن يراد بذلك أن يؤمنوا لأجلكم ولأجل تشددكم في دعائهم إليه فيكون هذا معنى الإضافة .
أما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=75وقد كان فريق منهم ) فقد اختلفوا في ذلك الفريق ، منهم من قال : المراد بالفريق من كان في أيام
موسى عليه السلام لأنه تعالى وصف هذا الفريق بأنهم يسمعون كلام الله . والذين سمعوا كلام الله أهل الميقات ، ومنهم من قال : بل المراد بالفريق من كان في زمن
محمد عليه الصلاة والسلام ، وهذا أقرب لأن الضمير في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=75وقد كان فريق منهم ) راجع إلى ما تقدم وهم الذين عناهم الله تعالى بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=75أفتطمعون أن يؤمنوا لكم ) وقد بينا أن الذين تعلق الطمع بإيمانهم هم الذين كانوا في زمن
محمد عليه الصلاة والسلام . فإن قيل : الذين سمعوا كلام الله هم الذين حضروا الميقات ، قلنا : لا نسلم بل قد يجوز فيمن سمع التوراة أن يقال : إنه سمع كلام الله كما يقال لأحدنا سمع كلام الله إذا قرئ عليه القرآن .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=75أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=75أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ )
اعْلَمْ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَمَّا ذَكَرَ قَبَائِحَ أَفْعَالِ أَسْلَافِ
الْيَهُودِ إِلَى هَاهُنَا ، شَرَحَ مِنْ هُنَا
nindex.php?page=treesubj&link=32423_32427_31931قَبَائِحَ أَفْعَالِ الْيَهُودِ الَّذِينَ كَانُوا فِي زَمَنِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ
الْقَفَّالُ رَحِمَهُ اللَّهُ : إِنَّ فِيمَا ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ السُّورَةِ
nindex.php?page=treesubj&link=32016_32416مِنْ أَقَاصِيصِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وُجُوهًا مِنَ الْمَقْصِدِ :
أَحَدُهَا : الدَّلَالَةُ بِهَا عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=31022صِحَّةِ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْهَا مِنْ غَيْرِ تَعَلُّمٍ ، وَذَلِكَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ إِلَّا بِالْوَحْيِ . وَيَشْتَرِكُ فِي الِانْتِفَاعِ بِهَذِهِ الدَّلَالَةِ
أَهْلُ الْكِتَابِ وَالْعَرَبُ ، أَمَّا
أَهْلُ الْكِتَابِ فَلِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْلَمُونَ هَذِهِ الْقِصَصَ فَلَمَّا سَمِعُوهَا مِنْ
مُحَمَّدٍ مِنْ غَيْرِ تَفَاوُتٍ أَصْلًا ، عَلِمُوا لَا مَحَالَةَ أَنَّهُ مَا أَخَذَهَا إِلَّا مِنَ الْوَحْيِ . وَأَمَّا الْعَرَبُ فَلَمَّا يُشَاهِدُونَ مِنْ أَنَّ
أَهْلَ الْكِتَابِ يُصَدِّقُونَ
مُحَمَّدًا فِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ .
وَثَانِيهَا :
nindex.php?page=treesubj&link=32419_31915تَعْدِيدُ النِّعَمِ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ وَمَا
[ ص: 122 ] مَنَّ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عَلَى أَسْلَافِهِمْ مِنْ أَنْوَاعِ الْكَرَامَةِ وَالْفَضْلِ
nindex.php?page=treesubj&link=31915_31916كَالْإِنْجَاءِ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ بَعْدَمَا كَانُوا مَقْهُورِينَ مُسْتَعْبَدِينَ ، وَنَصْرِهِ إِيَّاهُمْ وَجَعْلِهِمْ أَنْبِيَاءَ وَمُلُوكًا وَتَمْكِينِهِ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَفَرْقِهِ بِهِمُ الْبَحْرَ وَإِهْلَاكِهِ عَدُوَّهُمْ وَإِنْزَالِهِ النُّورَ وَالْبَيَانَ عَلَيْهِمْ بِوَاسِطَةِ
nindex.php?page=treesubj&link=31912إِنْزَالِ التَّوْرَاةِ وَالصَّفْحِ عَنِ الذُّنُوبِ الَّتِي ارْتَكَبُوهَا مِنْ عِبَادَةِ الْعِجْلِ وَنَقْضِ الْمَوَاثِيقِ وَمَسْأَلَةِ النَّظَرِ إِلَى اللَّهِ جَهْرَةً ، ثُمَّ مَا أَخْرَجَهُ لَهُمْ فِي التِّيهِ مِنَ الْمَاءِ الْعَذْبِ مِنَ الْحَجَرِ وَإِنْزَالِهِ عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى وَوِقَايَتِهِمْ مِنْ حَرِّ الشَّمْسِ بِتَظْلِيلِ الْغَمَامِ ، فَذَكَّرَهُمُ اللَّهُ هَذِهِ النِّعَمَ الْقَدِيمَةَ وَالْحَدِيثَةَ .
وَثَالِثُهَا : إِخْبَارُ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِتَقْدِيمِ كُفْرِهِمْ وَخِلَافِهِمْ وَشِقَاقِهِمْ
nindex.php?page=treesubj&link=32426_32425وَتَعَنُّتِهِمْ مَعَ الْأَنْبِيَاءِ وَمُعَانَدَتِهِمْ لَهُمْ وَبِبُلُوغِهِمْ فِي ذَلِكَ مَا لَمْ يَبْلُغْهُ أَحَدٌ مِنَ الْأُمَمِ قَبْلَهُمْ ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ بَعْدَ مُشَاهَدَتِهِمُ الْآيَاتِ الْبَاهِرَةَ عَبَدُوا الْعِجْلَ بَعْدَ مُفَارَقَةِ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ إِيَّاهُمْ بِالْمُدَّةِ الْيَسِيرَةِ ، فَدَلَّ عَلَى بَلَادَتِهِمْ ، ثُمَّ لَمَّا أُمِرُوا بِدُخُولِ الْبَابِ سُجَّدًا وَأَنْ يَقُولُوا حِطَّةٌ وَوَعَدَهُمْ أَنْ يَغْفِرَ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ وَيَزِيدَ فِي ثَوَابِ مُحْسِنِهِمْ بَدَّلُوا الْقَوْلَ وَفَسَقُوا ، ثُمَّ سَأَلُوا الْفُومَ وَالْبَصَلَ بَدَلَ الْمَنِّ وَالسَّلْوَى ، ثُمَّ امْتَنَعُوا مِنْ قَبُولِ التَّوْرَاةِ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ
بِمُوسَى وَضَمَانِهِمْ لَهُ بِالْمَوَاثِيقِ أَنْ يُؤْمِنُوا بِهِ وَيَنْقَادُوا لِمَا يَأْتِي بِهِ حَتَّى رُفِعَ فَوْقَهُمُ الْجَبَلُ ثُمَّ اسْتَحَلُّوا الصَّيْدَ فِي السَّبْتِ وَاعْتَدُّوا ، ثُمَّ لَمَّا أُمِرُوا بِذَبْحِ الْبَقَرَةِ شَافَهُوا
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِقَوْلِهِمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=67أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا ) ، ثُمَّ لَمَّا شَاهَدُوا إِحْيَاءَ الْمَوْتَى ازْدَادُوا قَسْوَةً ، فَكَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : إِذَا كَانَتْ هَذِهِ أَفْعَالَهُمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَمُعَامَلَاتِهِمْ مَعَ نَبِيِّهِمُ الَّذِي أَعَزَّهُمُ اللَّهُ بِهِ وَأَنْقَذَهُمْ مِنَ الرِّقِّ وَالْآفَةِ بِسَبَبِهِ ، فَغَيْرُ بَدِيعٍ مَا يُعَامِلُ بِهِ أَخْلَافُهُمْ
مُحَمَّدًا عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فَلْيَهُنْ عَلَيْكُمْ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَالْمُؤْمِنُونَ مَا تَرَوْنَهُ مِنْ عِنَادِهِمْ وَإِعْرَاضِهِمْ عَنِ الْحَقِّ .
وَرَابِعُهَا : تَحْذِيرُ
أَهْلِ الْكِتَابِ الْمَوْجُودِينَ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نُزُولِ الْعَذَابِ عَلَيْهِمْ كَمَا نَزَلَ بِأَسْلَافِهِمْ فِي تِلْكَ الْوَقَائِعِ الْمَعْدُودَةِ .
وَخَامِسُهَا : تَحْذِيرُ مُشْرِكِي الْعَرَبِ أَنْ يَنْزِلَ الْعَذَابُ عَلَيْهِمْ كَمَا نَزَلَ عَلَى أُولَئِكَ
الْيَهُودِ .
وَسَادِسُهَا : أَنَّهُ احْتِجَاجٌ عَلَى مُشْرِكِي الْعَرَبِ الْمُنْكِرِينَ لِلْإِعَادَةِ مَعَ إِقْرَارِهِمْ بِالِابْتِدَاءِ ، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=73كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى ) إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ : إِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ شَدِيدَ الْحِرْصِ عَلَى الدُّعَاءِ إِلَى الْحَقِّ وَقَبُولِهِمُ الْإِيمَانَ مِنْهُ ، وَكَانَ يَضِيقُ صَدْرُهُ بِسَبَبِ عِنَادِهِمْ وَتَمَرُّدِهِمْ ، فَقَصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ أَخْبَارَ
بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْعِنَادِ الْعَظِيمِ مَعَ مُشَاهَدَةِ الْآيَاتِ الْبَاهِرَةِ تَسْلِيَةً لِرَسُولِهِ فِيمَا يَظْهَرُ مِنْ
أَهْلِ الْكِتَابِ فِي زَمَانِهِ مِنْ قِلَّةِ الْقَبُولِ وَالِاسْتِجَابَةِ ، فَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=75أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ ) وَهَاهُنَا مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : فِي
nindex.php?page=treesubj&link=32427_32425_32423_28973قَوْلِهِ تَعَالَى : ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=75أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ ) وَجْهَانِ :
الْأَوَّلُ : وَهُوَ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ خِطَابٌ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً لِأَنَّهُ هُوَ الدَّاعِي وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالِاسْتِجَابَةِ وَاللَّفْظُ وَإِنْ كَانَ لِلْعُمُومِ ، لَكِنَّا حَمَلْنَاهُ عَلَى الْخُصُوصِ لِهَذِهِ الْقَرِينَةِ ، رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَ دَخَلَ
الْمَدِينَةَ وَدَعَا
الْيَهُودَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَكَذَّبُوهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ .
الثَّانِي : وَهُوَ قَوْلُ
الْحَسَنِ أَنَّهُ خِطَابٌ مَعَ الرَّسُولِ وَالْمُؤْمِنِينَ . قَالَ الْقَاضِي : وَهَذَا أَلْيَقُ بِالظَّاهِرِ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ فِي الدُّعَاءِ فَقَدْ كَانَ فِي الصَّحَابَةِ مَنْ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِيمَانِ وَيُظْهِرُ لَهُمُ الدَّلَائِلَ وَيُنَبِّهَهُمْ عَلَيْهَا ، فَصَحَّ أَنْ يَقُولَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=75أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ ) وَيُرِيدُ بِهِ الرَّسُولَ وَمَنْ هَذَا حَالُهُ مِنْ أَصْحَابِهِ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ صَحِيحًا فَلَا وَجْهَ لِتَرْكِ الظَّاهِرِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=75أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ ) هُمُ
الْيَهُودُ الَّذِينَ كَانُوا فِي زَمَنِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِأَنَّهُمُ الَّذِينَ يَصِحُّ فِيهِمُ الطَّمَعُ فِي أَنْ يُؤْمِنُوا وَخِلَافُهُ ; لِأَنَّ الطَّمَعَ إِنَّمَا يَصِحُّ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا فِي الْوَاقِعِ .
[ ص: 123 ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : ذَكَرُوا فِي سَبَبِ الِاسْتِبْعَادِ وُجُوهًا :
أَحَدُهَا : أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ مَعَ أَنَّهُمْ مَا آمَنُوا
بِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَكَانَ هُوَ السَّبَبَ فِي أَنَّ اللَّهَ خَلَّصَهُمْ مِنَ الذُّلِّ وَفَضَّلَهُمْ عَلَى الْكُلِّ ، وَمَعَ ظُهُورِ الْمُعْجِزَاتِ الْمُتَوَالِيَةِ عَلَى يَدِهِ وَظُهُورِ أَنْوَاعِ الْعَذَابِ عَلَى الْمُتَمَرِّدِينَ .
الثَّانِي : أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا وَيُظْهِرُوا التَّصْدِيقَ وَمَنْ عَلِمَ مِنْهُمُ الْحَقَّ لَمْ يَعْتَرِفْ بِذَلِكَ ، بَلْ غَيَّرَهُ وَبَدَّلَهُ .
الثَّالِثُ : أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنَ لَكُمْ هَؤُلَاءِ مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ وَكَيْفَ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ أَسْلَافِهِمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ وَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ حَقٌّ ثُمَّ يُعَانِدُونَهُ .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : الْقَوْمُ مُكَلَّفُونَ بِأَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ . فَمَا الْفَائِدَةُ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=75أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ ) ؟ .
الْجَوَابُ : أَنَّهُ يَكُونُ إِقْرَارًا لَهُمْ بِمَا دُعُوا إِلَيْهِ وَلَوْ كَانَ الْإِيمَانُ لِلَّهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=26فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ ) [الْعَنْكَبُوتِ : 26] لَمَّا أَقَرَّ بِنُبُوَّتِهِ وَبِتَصْدِيقِهِ ، وَيَجُوزُ أَنَّ يُرَادَ بِذَلِكَ أَنْ يُؤْمِنُوا لِأَجْلِكُمْ وَلِأَجْلِ تَشَدُّدِكُمْ فِي دُعَائِهِمْ إِلَيْهِ فَيَكُونُ هَذَا مَعْنَى الْإِضَافَةِ .
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=75وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ ) فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ الْفَرِيقِ ، مِنْهُمْ مَنْ قَالَ : الْمُرَادُ بِالْفَرِيقِ مَنْ كَانَ فِي أَيَّامِ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لِأَنَّهُ تَعَالَى وَصَفَ هَذَا الْفَرِيقَ بِأَنَّهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ . وَالَّذِينَ سَمِعُوا كَلَامَ اللَّهِ أَهْلُ الْمِيقَاتِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : بَلِ الْمُرَادُ بِالْفَرِيقِ مَنْ كَانَ فِي زَمَنِ
مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، وَهَذَا أَقْرَبُ لِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=75وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ ) رَاجِعٌ إِلَى مَا تَقَدَّمَ وَهُمُ الَّذِينَ عَنَاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=75أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ ) وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الَّذِينَ تَعَلَّقَ الطَّمَعُ بِإِيمَانِهِمْ هُمُ الَّذِينَ كَانُوا فِي زَمَنِ
مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ . فَإِنْ قِيلَ : الَّذِينَ سَمِعُوا كَلَامَ اللَّهِ هُمُ الَّذِينَ حَضَرُوا الْمِيقَاتَ ، قُلْنَا : لَا نُسَلِّمُ بَلْ قَدْ يَجُوزُ فِيمَنْ سَمِعَ التَّوْرَاةَ أَنْ يُقَالَ : إِنَّهُ سَمِعَ كَلَامَ اللَّهِ كَمَا يُقَالُ لِأَحَدِنَا سَمِعَ كَلَامَ اللَّهِ إِذَا قُرِئَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ .