المسألة السابعة : في أنه هل يجب قتلهم أم لا ؟ .
أما النوع الأول : وهو أن . يعتقد في الكواكب كونها آلهة مدبرة
والنوع الثاني : وهو أن ، وخلق الحياة والقدرة والعقل وتركيب الأشكال ، فلا شك في كفرهما ، فالمسلم إذا أتى بهذا الاعتقاد كان كالمرتد يستتاب ؛ فإن أصر قتل . وروي عن يعتقد أن الساحر قد يصير موصوفا بالقدرة على خلق الأجسام مالك أنه لا تقبل توبته ، لنا أنه أسلم ، فيقبل إسلامه ؛ لقوله عليه السلام : " وأبي حنيفة نحن نحكم بالظاهر " .
أما النوع الثالث : وهو أن ، وتدخين بعض الأدوية ، فالساحر يعتقد أنه يمكن الوصول إلى استحداث الأجسام والحياة وتغيير الخلقة بهذا الطريق ، وقد ذكرنا عن يعتقد أن الله تعالى أجرى عادته بخلق الأجسام والحياة وتغيير الشكل والهيئة عند قراءة بعض الرقى المعتزلة أنه كفر ، قالوا : لأنه مع هذا الاعتقاد لا يمكنه الاستدلال بالمعجز على صدق الأنبياء ، وهذا ركيك ؛ لأنه يقال : الفرق هو أن مدعي النبوة إن كان صادقا في دعواه أمكنه الإتيان بهذه الأشياء ، وإن كان كاذبا تعذر عليه ذلك ، فبهذا يظهر الفرق . إذا ثبت أنه ليس بكافر وثبت أنه ممكن الوقوع ، فإذا أتى الساحر بشيء من ذلك ، فإن اعتقد أن إتيانه به مباح كفر ؛ لأنه حكم على المحظور بكونه مباحا ، وإن اعتقد حرمته فعند - رضي الله عنه - أن حكمه حكم الجناية ، إن الشافعي ، يجب عليه القود ، وإن قال : إني سحرته وسحري يقتل غالبا . فهو شبه عمد ، وإن قال : سحرته ، وسحري قد يقتل وقد لا يقتل فهو خطأ تجب الدية مخففة في ماله ؛ لأنه ثبت بإقراره إلا أن تصدقه العاقلة ، فحينئذ العاقلة تجب عليهم . هذا تفصيل مذهب قال : سحرت غيره ، فوافق اسمه - رضي الله عنه - وروى الشافعي عن [ ص: 196 ] الحسن بن زياد رحمه الله أنه قال : يقتل الساحر إذا علم أنه ساحر ، ولا يستتاب ولا يقبل قوله : إني أترك السحر وأتوب منه ، فإذا أقر أنه ساحر فقد حل دمه ، وإن أبي حنيفة قتل ولا يستتاب ، وإن شهد شاهدان على أنه ساحر أو وصفوه بصفة يعلم أنه ساحر قبل منه ولم يقتل ، وحكى أقر بأني كنت أسحر مرة ، وقد تركت ذلك منذ زمان عن محمد بن شجاع علي الرازي ، قال : سألت أبا يوسف عن قول في الساحر : يقتل ولا يستتاب ، لم يكن ذلك بمنزلة المرتد ، فقال : الساحر جمع مع كفره السعي في الأرض بالفساد ، ومن كان كذلك إذا قتل قتل . أبي حنيفة
واحتج أصحابنا بأنه لما ثبت أن هذا النوع ليس بكفر فهو فسق ، فإن لم يكن جناية على حق الغير كان الحق هو التفصيل الذي ذكرناه .
الثاني : أن اليهود لا يقتل ؛ لأنه عليه الصلاة والسلام سحره رجل من ساحر اليهود يقال له : لبيد بن أعصم ، وامرأة من يهود خيبر يقال لها : زينب ، فلم يقتلهما ؛ فوجب أن يكون المؤمن كذلك ؛ لقوله عليه الصلاة والسلام : " لهم ما للمسلمين ، وعليهم ما على المسلمين " .
واحتج رحمه الله على قوله بأخبار : أبو حنيفة
أحدها : ما روى نافع عن ابن عمر : أن جارية لحفصة سحرتها ، وأخذوها فاعترفت بذلك ، فأمرت فقتلها ، فبلغ عبد الرحمن بن زيد عثمان فأنكره ، فأتاه ابن عمر وأخبره أمرها ، فكأن عثمان إنما أنكر ذلك ؛ لأنها قتلت بغير إذنه .
وثانيها : ما روى أنه ورد كتاب عمرو بن دينار عمر - رضي الله عنه - أن اقتلوا كل ساحر وساحرة ؛ فقتلنا ثلاث سواحر .
وثالثها : قال : إن هؤلاء العرافين كهان العجم ، فمن علي بن أبي طالب : فقد برئ مما أنزل الله على أتى كاهنا يؤمن له بما يقول محمد - صلى الله عليه وسلم - .
والجواب : لعل السحرة الذين قتلوا كانوا من الكفرة ، فإن حكاية الحال يكفي في صدقها صورة واحدة ، وأما سائر ، أعني الإتيان بضروب الشعبذة والآلات العجيبة المبنية على ضروب الخيلاء ، والمبنية على النسب الهندسية ، وكذلك القول فيمن يوهم ضروبا من التخويف والتقريع حتى يصير من به السوداء محكم الاعتقاد فيه ، ويتمشى بالتضريب والنميمة ويحتال في إيقاع الفرقة بعد الوصلة ، ويوهم أن ذلك بكتابة يكتبها من الاسم الأعظم ، فكل ذلك ليس بكفر ، وكذلك القول في دفن الأشياء الوسخة في دور الناس ، وكذا القول في إيهام أن الجن يفعلون ذلك ، وكذا القول فيمن يدس الأدوية المبلدة في الأطعمة ، فإن شيئا من ذلك لا يبلغ حد الكفر ، ولا يوجب القتل ألبتة ، فهذا هو الكلام الكلي في السحر ، والله الكافي والواقي ، ولنرجع إلى التفسير . أنواع السحر
أما قوله تعالى : ( ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ) فظاهر الآية يقتضي أنهم إنما كفروا لأجل أنهم كانوا يعلمون الناس السحر ؛ لأن ترتيب الحكم على الوصف مشعر بالعلية ، وتعليم ما لا يكون كفرا لا يوجب الكفر ، فصارت الآية دالة على أن كفر ، وعلى أن السحر أيضا كفر ، ولمن منع ذلك أن يقول : لا نسلم أن ترتيب الحكم على الوصف مشعر بالعلية ، بل المعنى أنهم كفروا وهم مع ذلك يعلمون الناس السحر ، فإن قيل : هذا مشكل ؛ لأن الله تعالى أخبر في آخر الآية أن الملكين يعلمان الناس السحر ، فلو كان تعليم السحر كفرا لزم تكفير الملكين ، وإنه غير جائز ؛ لما ثبت أن الملائكة بأسرهم معصومون ، وأيضا فلأنكم قد دللتم على أنه ليس كل ما يسمى سحرا فهو كفر . قلنا : اللفظ المشترك لا يكون عاما في جميع مسمياته ، فنحن نحمل هذا السحر الذي هو كفر على النوع الأول من الأشياء المسماة بالسحر ، وهو اعتقاد إلهية الكواكب والاستعانة بها في إظهار المعجزات وخوارق العادات ، فهذا السحر كفر ، والشياطين إنما كفروا لإتيانهم بهذا السحر لا بسائر الأقسام . تعليم السحر
[ ص: 197 ] وأما الملكان فلا نسلم أنهما علما هذا النوع من السحر ، بل لعلهم يعلمان سائر الأنواع على ما قال تعالى : ( فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه ) وأيضا فبتقدير أن يقال : إنهما علما هذا النوع ، لكن تعليم هذا النوع إنما يكون كفرا إذا قصد المعلم أن يعتقد حقيقته وكونه صوابا ، فأما أن يعلمه ليحترز عنه ، فهذا التعليم لا يكون كفرا ، وتعليم الملائكة كان لأجل أن يصير المكلف محترزا عنه على ما قال تعالى حكاية عنهما : ( وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر ) وأما الشياطين الذين علموا الناس السحر فكان مقصودهم اعتقاد حقيقة هذه الأشياء فظهر الفرق .
المسألة الثامنة : قرأ نافع وابن كثير وعاصم وأبو عمرو بتشديد " لكن " و " الشياطين " بالنصب على أنه اسم " لكن " والباقون : " لكن " بالتخفيف و " الشياطين " بالرفع ، والمعنى واحد ، وكذلك في الأنفال : ( ولكن الله رمى ) [ الأنفال : 17 ] ( ولكن الله قتلهم ) [ الأنفال : 17 ] والاختيار أنه إذا كان بالواو كان التشديد أحسن ، وإذا كان بغير الواو فالتخفيف أحسن ، والوجه فيه أن " لكن " بالتخفيف يكون عطفا فلا يحتاج إلى الواو لاتصال الكلام ، والمشددة لا تكون عطفا ؛ لأنها تعمل عمل " إن " .