قال المصنف - رحمه الله تعالى - : ( ويجوز الكلام قبل أن يبتدئ بالخطبة ; لما رويناه من حديث ثعلبة بن أبي مالك ، ويجوز إذا جلس الإمام بين الخطبتين ، وإذا نزل من المنبر قبل أن يدخل في الصلاة ; لما روى أنس قال " { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل يوم الجمعة من المنبر فيقوم معه الرجل فيكلمه في الحاجة ثم ينتهي إلى مصلاه فيصلي } ولأنه ليس بحال صلاة ولا حال استماع فلم يمنع من الكلام ، وإذا بدأ الخطبة أنصت ; لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { من توضأ فأحسن الوضوء ثم أنصت للإمام يوم الجمعة حتى يفرغ من صلاته غفر له ما بين الجمعة إلى الجمعة وزيادة ثلاثة أيام } وهل يجب الإنصات ؟ فيه قولان : ( أحدهما ) : يجب ; لما روى جابر قال " { دخل ابن مسعود والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فجلس إلى أبي فسأله عن شيء فلم يرد عليه ، فسكت حتى صلى النبي صلى الله عليه وسلم ما منعك أن ترد علي ؟ فقال : إنك لم تشهد معنا الجمعة ، قال ولم ؟ قال ; لأنك تكلمت والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب ، فقام ابن مسعود ودخل على النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له ، فقال صدق أبي [ وأطع أبيا } ] ( والثاني ) : يستحب وهو الأصح .
لما روى [ ص: 430 ] أنس قال : { دخل رجل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر يوم الجمعة فقال : متى الساعة ؟ فأشار الناس إليه أن اسكت ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الثالثة : ما أعددت لها ؟ قال : حب الله ورسوله ، قال : إنك مع من أحببت } فإن رأى رجلا [ ضريرا ] يقع في بئر أو رأى عقربا تدب إليه لم يحرم عليه كلامه قولا واحدا ; لأن الإنذار يجب لحق الآدمي ، والإنصات لحق الله - تعالى - ومبناه على المسامحة ، وإن سلم عليه رجل أو عطس ، فإن قلنا : يستحب الإنصات رد السلام وشمت العاطس ، وإن قلنا : يجب الإنصات لم يرد السلام ، ولم يشمت العاطس ; لأن المسلم سلم في غير موضعه فلم يرد عليه ، وتشميت العاطس سنة فلا يترك له الإنصات الواجب ، ومن أصحابنا من قال : لا يرد السلام ; لأن المسلم مفرط ; ويشمت العاطس ; لأن العاطس غير مفرط في العطاس وليس بشيء ) .


