قال المصنف رحمه الله تعالى ( ويجب لقوله تعالى : { على المتمتع دم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي } ولا يجب عليه إلا بخمسة شروط : ( أحدها ) أن يعتمر في أشهر الحج ، فإن اعتمر في غير أشهر الحج لم يلزمه دم لأنه لم يجمع بين النسكين في أشهر الحج ، فلم يلزمه دم كالمفرد ، فإن أحرم بالعمرة في غير أشهر الحج وأتى بأفعالها في أشهر الحج ففيه قولان : ( قال ) في القديم والإملاء : يجب عليه دم ، لأن استدامة الإحرام بمنزلة الابتداء ، ولو ابتدأ الإحرام بالعمرة في أشهر الحج لزمه الدم فكذلك إذا استدامه ، ( وقال ) في الأم : يجب عليه الدم ; لأن الإحرام نسك لا تتم العمرة إلا به ، وقد أتى به في غير أشهر الحج فلم يلزمه دم التمتع كالطواف .
( والثاني ) أن يحج من سنته فأما إذا حج في سنة أخرى لم يلزمه دم ، لما روى قال : " كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتمرون في أشهر الحج ، فإذا لم يحجوا من عامهم ذلك لم يهدوا ، ولأن الدم إنما يجب لترك الإحرام بالحج من الميقات ، وهذا لم يترك الإحرام بالحج من الميقات ، فإنه إن أقام سعيد بن المسيب بمكة صارت مكة ميقاته ، وإن رجع إلى بلده وعاد فقد أحرم من الميقات .
( والثالث ) أن لا يعود لإحرام الحج إلى الميقات ، فأما إذا رجع لإحرام الحج إلى الميقات وأحرم فلا يلزمه دم ; لأن الدم وجب بترك الميقات ، وهذا لم يترك الميقات ، فإن أحرم بالحج من جوف مكة ثم رجع إلى الميقات قبل أن يقف ففيه وجهان : ( أحدهما ) لا دم عليه ; لأنه حصل محرما من الميقات قبل التلبس بنسك فأشبه من جاوز الميقات غير محرم ثم أحرم وعاد إلى الميقات ( والثاني ) يلزمه لأنه وجب عليه الدم بالإحرام من مكة فلا يسقط بالعود إلى الميقات ، كما لو ترك الميقات وأحرم دونه ثم عاد بعد التلبس بنسك ، ( والرابع ) أن يكون غير حاضري المسجد الحرام ، ( فأما ) إذا كان من حاضري المسجد الحرام فلا دم عليه لقول الله - تعالى - { : ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام } وحاضروا المسجد الحرام أهل الحرم ، ومن بينه وبينه مسافة لا تقصر فيها الصلاة ; لأن الحاضر في اللغة هو القريب ولا يكون قريبا إلا في مسافة لا تقصر فيها الصلاة ، وفي الخامس وجهان وهو نية التمتع [ ص: 172 ] أحدهما ) أنه يحتاج إليها ; لأن الدم يتعلق بترك الإحرام بالحج من الميقات ، وذلك يوجد من غير نية ، ( والثاني ) أنه يحتاج إلى نية التمتع ; لأنه جمع بين العبادتين في وقت إحداهما ، فافتقر إلى نية الجمع كالجمع بين الصلاتين ، ( فإذا قلنا ) بهذا ففي وقت النية وجهان : ( أحدهما ) أنه يحتاج إلى أن ينوي عند الإحرام بالعمرة ( والثاني ) يجوز أن ينوي ما لم يفرغ من العمرة ، بناء على القولين في وقت نية الجمع بين الصلاتين ، فإن في ذلك قولين ( أحدهما ) ينوي في ابتداء الأولى منهما ( والثاني ) ينوي ما لم يفرغ من الأولى ) .
[ ص: 178 ]