( 2172 ) مسألة : قال : ( والمعتكف لا يتجر ، ولا يتكسب بالصنعة ) وجملته أن ، إلا ما لا بد له منه . قال المعتكف لا يجوز له أن يبيع ولا يشتري : سمعت حنبل يقول : المعتكف لا يبيع ولا يشتري إلا ما لا بد له منه ، طعام أو نحو ذلك ، فأما التجارة ، والأخذ والعطاء ، فلا يجوز شيء من ذلك . وقال أبا عبد الله : لا بأس أن يبيع ويشتري ، ويخيط ، ويتحدث ، ما لم يكن مأثما . الشافعي
ولنا ، ما روى ، عن أبيه ، عن جده ، { عمرو بن شعيب } . رواه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن البيع والشراء في المسجد الترمذي ، وقال : حديث حسن . ورأى عمران القصير رجلا يبيع في المسجد ، فقال : يا هذا ، إن هذا سوق الآخرة ، فإن أردت البيع فاخرج إلى سوق الدنيا . وإذا منع من البيع والشراء في غير حال الاعتكاف ، ففيه أولى .
فأما الصنعة ، فظاهر كلام ، أنه لا يجوز منها ما يكتسب به ; لأنه بمنزلة التجارة بالبيع والشراء . ويجوز ما يعمله لنفسه ، كخياطة قميصه ونحوه . وقد روى الخرقي المروذي قال : سألت ، عن المعتكف ، ترى له أن يخيط ؟ قال : لا ينبغي له أن يعتكف إذا كان يريد أن يفعل . وقال أبا عبد الله : لا تجوز الخياطة في المسجد ، سواء كان محتاجا إليها أو لم يكن ، قل أو كثر ; لأن ذلك معيشة أو تشغل عن الاعتكاف ، فأشبه البيع والشراء فيه . القاضي
والأولى أن يباح له ما يحتاج إليه من ذلك ، إذا كان يسيرا ، مثل أن ينشق قميصه فيخيطه ، أو ينحل شيء يحتاج إلى ربط فيربطه ; لأن هذا يسير تدعو الحاجة إليه ، فجرى مجرى لبس قميصه وعمامته وخلعهما . ( 2173 )
فصل : ; لأن من كثر كلامه كثر سقطه . يستحب للمعتكف التشاغل بالصلاة وتلاوة القرآن ، وذكر الله تعالى ونحو ذلك من الطاعات المحضة ، ويجتنب ما لا يعنيه من الأقوال والأفعال ، ولا يكثر الكلام
وفي الحديث { } . ويجتنب الجدال والمراء ، والسباب والفحش ; فإن ذلك مكروه في غير الاعتكاف ، ففيه أولى . ولا يبطل الاعتكاف بشيء من ذلك ; لأنه لما لم يبطل بمباح الكلام لم يبطل بمحظوره ، وعكسه الوطء . : من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه
ولا بأس بالكلام لحاجته ، ومحادثة غيره ، فإن صفية زوجة النبي صلى الله عليه وسلم قالت : { - فمر رجلان من أسامة بن زيد الأنصار ، فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : على رسلكما ، إنها . فقالا : سبحان الله يا رسول الله ، فقال : إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى [ ص: 76 ] الدم ، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شرا . أو قال : شيئا صفية بنت حيي } . متفق عليه . كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معتكفا ، فأتيته أزوره ليلا ، فحدثته ، ثم قمت ، فانقلبت ، فقام معي ليقلبني - وكان مسكنها في دار
وقال رضي الله عنه : أيما رجل اعتكف ، فلا يساب ، ولا يرفث في الحديث ، ويأمر أهله بالحاجة - أي وهو يمشي - ولا يجلس عندهم . رواه الإمام علي . ( 2174 ) أحمد
فصل : فأما ، ونحو ذلك مما يتعدى نفعه ، فأكثر أصحابنا على أنه لا يستحب . وهو ظاهر كلام إقراء القرآن ، وتدريس العلم ودرسه ، ومناظرة الفقهاء ومجالستهم ، وكتابة الحديث . وقال أحمد أبو الحسن الآمدي : في استحباب ذلك روايتان .
واختار أنه مستحب ، إذا قصد به طاعة الله تعالى ، لا المباهاة . وهذا مذهب أبو الخطاب ; لأن ذلك أفضل العبادات ، ونفعه يتعدى ، فكان أولى من تركه كالصلاة . واحتج أصحابنا بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف ، فلم ينقل عنه الاشتغال بغير العبادات المختصة به ، ولأن الاعتكاف عبادة من شرطها المسجد ، فلم يستحب فيها ذلك ، كالطواف ، وما ذكروه يبطل بعيادة المرضى ، وشهود الجنازة ، فعلى هذا القول فعله لهذه الأفعال أفضل من الاعتكاف . الشافعي
قال المروذي : قلت : إن رجلا يقرئ في المسجد ، وهو يريد أن يعتكف ، ولعله أن يختم في كل يوم ؟ فقال : إذا فعل هذا كان لنفسه ، وإذا قعد في المسجد كان له ولغيره ، يقرئ أحب إلي . وسئل : أيما أحب إليك ; الاعتكاف ، أو الخروج إلى عبادان ؟ قال : ليس يعدل الجهاد عندي شيء . يعني أن الخروج إلى عبادان أفضل من الاعتكاف . ( 2175 ) لأبي عبد الله
فصل : وليس من شريعة الإسلام ، وظاهر الأخبار تحريمه . الصمت عن الكلام
قال : دخل قيس بن مسلم رضي الله عنه على امرأة من أبو بكر الصديق أحمس ، يقال لها زينب ، فرآها لا تتكلم ، فقال : ما لها لا تتكلم ؟ قالوا : حجت مصمتة . فقال لها : تكلمي ، فإن هذا لا يحل ، هذا من عمل الجاهلية . فتكلمت . رواه . وروى البخاري أبو داود بإسناده عن ، رضي الله عنه قال : حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : { علي } . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه { لا صمات يوم إلى الليل نهى عن صوم الصمت } . فإن نذر ذلك في اعتكافه أو غيره لم يلزمه الوفاء به . وبهذا قال ، وأصحاب الرأي الشافعي . ولا نعلم فيه مخالفا ; لما روى وابن المنذر ، قال : { ابن عباس أبو إسرائيل ، نذر أن يقوم في الشمس ولا يقعد ، ولا يستظل ولا يتكلم ، ويصوم . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : مروه فليتكلم ، وليستظل ، وليقعد ، وليتم صومه . } رواه بينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب ، إذا هو برجل قائم ، فسأل عنه ؟ فقالوا : . ولأنه نذر فعل منهي عنه ، فلم يلزمه ، كنذر المباشرة في المسجد . البخاري
وإن أراد فعله لم يكن له ذلك ، سواء نذره أو لم ينذره . وقال ، أبو ثور : له فعله إذا كان أسلم . وابن المنذر
ولنا ، النهي عنه ، وظاهره التحريم ، والأمر بالكلام ، ومقتضاه الوجوب ، وقول رضي الله عنه : إن هذا لا يحل ، هذا من عمل الجاهلية . وهذا صريح ، ولم يخالفه أحد من الصحابة فيما علمناه ، واتباع ذلك أولى . [ ص: 77 ] أبي بكر الصديق
فصل : ولا يجوز أن لأنه استعمال له في غير ما هو له ، فأشبه استعمال المصحف في التوسد ونحوه ، وقد جاء : لا تناظروا بكتاب الله . قيل : معناه لا تتكلم به عند الشيء تراه ، كأن ترى رجلا قد جاء في وقته ، فتقول : ثم جئت على قدر يا يجعل القرآن بدلا من الكلام ; موسى . أو نحوه . ذكر أبو عبيد نحو هذا المعنى .