وذكر في ( الجامع ) الروايتين في جميع الشروط . وذكره أيضا . وقال أبو الخطاب : الكفاءة في الدين لا غير . قال مالك : هذا جملة مذهب ابن عبد البر وأصحابه . وعن مالك كقول الشافعي ، وقول آخر أنها الخمسة التي ذكرناها ، والسلامة من العيوب الأربعة فتكون ستة ، وكذلك قول مالك ، أبي حنيفة ، والثوري [ ص: 28 ] إلا في الصنعة والسلامة من العيوب الأربعة . ولم يعتبر والحسن بن حي الدين ، إلا أن يكون ممن يسكر ويخرج ويسخر منه الصبيان ، فلا يكون كفؤا ; لأن الغالب على الجند الفسق ، ولا يعد ذلك نقصا ، والدليل على اعتبار الدين قوله تعالى : { محمد بن الحسن أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون }
ولأن الفاسق مرذول مردود الشهادة والرواية ، غير مأمون على النفس والمال ، مسلوب الولايات ، ناقص عند الله تعالى وعند خلقه ، قليل الحظ في الدنيا والآخرة ، فلا يجوز أن يكون كفؤا لعفيفة ، ولا مساويا لها ، لكن يكون كفؤا لمثله . فأما الفاسق من الجند ، فهو ناقص عند أهل الدين والمروآت . والدليل على اعتبار النسب في الكفاءة ، قول رضي الله عنه : لأمنعن فروج ذوات الأحساب إلا من الأكفاء . قال : قلت : وما الأكفاء ؟ قال في الحسب . رواه عمر أبو بكر عبد العزيز ، بإسناده . ولأن العرب يعدون الكفاءة في النسب ، ويأنفون من نكاح الموالي ، ويرون ذلك نقصا وعارا ، فإذا أطلقت الكفاءة ، وجب حملها على المتعارف ، ولأن في فقد ذلك عارا ونقصا ، فوجب أن يعتبر في الكفاءة كالدين .
( 5191 ) فصل : واختلفت الرواية عن ، فروي عنه أن غير أحمد قريش من العرب لا يكافئها ، وغير بني هاشم لا يكافئهم . وهذا قول بعض أصحاب ; لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { الشافعي إسماعيل ، واصطفى من كنانة قريشا ، واصطفى من قريش بني هاشم ، واصطفاني من بني هاشم } . ولأن العرب فضلت على الأمم برسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله اصطفى كنانة من ولد وقريش أخص به من سائر العرب ، وبنو هاشم أخص به من قريش
وكذلك قال عثمان إن إخواننا من وجبير بن مطعم بني هاشم لا ننكر فضلهم علينا ، لمكانك الذي وضعك الله به منهم . وقال لا تكافئ العجم العرب ولا العرب أبو حنيفة قريشا ، وقريش كلهم أكفاء ; لأن قال : ابن عباس قريش بعضهم أكفاء بعض . والرواية الثانية عن أن العرب بعضهم لبعض أكفاء ، والعجم بعضهم لبعض أكفاء ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم زوج ابنتيه أحمد عثمان ، وزوج أبا العاص بن الربيع زينب ، وهما من بني عبد شمس ، وزوج علي ابنته عمر أم كلثوم ، وتزوج عبد الله بن عمرو بن عثمان فاطمة بنت الحسين بن علي ، وتزوج المصعب بن الزبير أختها سكينة ، وتزوجها أيضا عبد الله بن عثمان بن حكيم بن حزام ، وتزوج المقداد بن الأسود ابنة عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوج ضباعة ابنة الزبير بن عبد المطلب أخته أبو بكر أم فروة ، وهما كنديان ، وتزوج الأشعث بن قيس أسامة بن زيد ، وهي من فاطمة بنت قيس قريش ، ولأن العجم والموالي بعضهم لبعض أكفاء ، وإن تفاضلوا ، وشرف بعضهم على بعض ، فكذلك العرب .
( 5192 ) فصل : فأما الحرية ، فالصحيح أنها من شروط الكفاءة ، فلا يكون العبد كفؤا لحرة ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم خير بريرة حين عتقت تحت عبد . فإذا ثبت الخيار بالحرية الطارئة ، فبالحرية المقارنة أولى . ولأن [ ص: 29 ] نقص الرق كبير ، وضرره بين ، فإنه مشغول عن امرأته بحقوق سيده ، ولا ينفق نفقة الموسرين ، ولا ينفق على ولده ، وهو كالمعدوم بالنسبة إلى نفسه . ولا يمنع صحة النكاح ; فإن النبي صلى الله عليه وسلم { لبريرة : لو راجعتيه . قالت : يا رسول الله ، أتأمرني ؟ قال : إنما أنا شفيع . قالت : فلا حاجة لي فيه } رواه قال البخاري .
ومراجعتها له ابتداء النكاح ، فإنه قد انفسخ نكاحها باختيارها ، ولا يشفع إليها النبي صلى الله عليه وسلم في أن تنكح عبدا إلا والنكاح صحيح .
( 5193 ) فصل : فأما ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { اليسار ، ففيه روايتان ; إحداهما ، هو شرط في الكفاءة ، حين أخبرته أن لفاطمة بنت قيس خطبها : أما معاوية فصعلوك ، لا مال له معاوية } الحسب المال . وقال : إن أحساب الناس بينهم في هذه الدنيا هذا المال . وقال
ولأن على الموسرة ضررا في إعسار زوجها ; لإخلاله بنفقتها ومؤنة أولادها ، ولهذا ملكت الفسخ بإخلاله بالنفقة ، فكذلك إذا كان مقارنا ، ولأن ذلك معدود نقصا في عرف الناس ، يتفاضلون فيه كتفاضلهم في النسب وأبلغ ، قال نبيه بن الحجاج السهمي :
سألتاني الطلاق أن رأتاني قل مالي قد جئتماني بنكر ويكأن من له نشب محبب
ومن يفتقر يعش عيش ضر
( 5194 ) فصل : فأما الصناعة ، ففيها روايتان أيضا ; إحداهما ، أنها شرط ، فمن كان من أهل الصنائع الدنيئة ، كالحائك ، والحجام ، والحارس ، والكساح ، والدباغ ، والقيم ، والحمامي ، والزبال ، فليس بكفء لبنات ذوي المروءات ، أو أصحاب الصنائع الجليلة ، كالتجارة ، والبناية ; لأن ذلك نقص في عرف الناس ، فأشبه نقص النسب ، وقد جاء في الحديث : { العرب بعضهم لبعض أكفاء ، إلا حائكا ، أو حجاما } . قيل رحمه الله : وكيف تأخذ به وأنت تضعفه ؟ قال : العمل عليه . يعني أنه ورد موافقا لأهل العرف . وروي أن ذلك ليس بنقص ، ويروى نحو ذلك عن لأحمد لأن ذلك ليس بنقص في الدين ، ولا هو لازم ، فأشبه الضعف والمرض ، قال بعضهم : أبي حنيفة
ألا إنما التقوى هي العز والكرم وحبك للدنيا هو الذل والسقم
وليس على عبد تقي نقيصة إذا حقق التقوى وإن حاك أو حجم
ولوليها منعها من نكاح المجذوم والأبرص والمجنون ، وما عدا هذا فليس بمعتبر في الكفاءة .