الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 7137 ) فصل : ولا يشترط الإسلام في الإحصان . وبهذا قال الزهري ، والشافعي . فعلى هذا يكون الذميان محصنين ، فإن تزوج المسلم ذمية ، فوطئها ، صارا محصنين . وعن أحمد ، رواية أخرى أن الذمية : لا تحصن المسلم . وقال عطاء ، والنخعي ، والشعبي ، ومجاهد ، والثوري : هو شرط في الإحصان . فلا يكون الكافر محصنا ، ولا تحصن الذمية مسلما ; لأن ابن عمر روى ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من أشرك بالله ، فليس بمحصن } . ولأنه إحصان من شرطه الحرية ، فكان الإسلام شرطا فيه ، كإحصان القذف . وقال مالك كقولهم ، إلا أن الذمية تحصن المسلم ، بناء على أصله في أنه لا يعتبر الكمال في الزوجين ، وينبغي أن يكون ذلك قولا للشافعي . ولنا ، ما روى مالك عن نافع ، عن ابن عمر ، أنه قال : { جاء اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له أن رجلا منهم وامرأة زنيا . وذكر الحديث ، فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما } . متفق عليه . ولأن الجناية بالزنى استوت من المسلم والذمي ، فيجب أن يستويا في الحد . وحديثهم لم يصح ، ولا نعرفه في مسند . وقيل : هو موقوف على ابن عمر . ثم يتعين حمله على إحصان القذف ، جمعا بين الحديثين ، فإن راويهما واحد ، وحديثنا صريح في الرجم ، فيتعين حمل خبرهم على الإحصان الآخر .

                                                                                                                                            فإن قالوا : إنما رجم النبي صلى الله عليه وسلم اليهوديين بحكم التوراة ، بدليل أنه راجعها ، فلما تبين له أن ذلك حكم الله عليهم ، أقامه فيهم ، وفيها أنزل الله تعالى : { إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا } . قلنا : إنما حكم عليهم بما أنزل الله إليه ، بدليل قوله تعالى : { فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا } . ولأنه لا يسوغ للنبي صلى الله عليه وسلم الحكم بغير شريعته ، ولو ساغ ذلك لساغ لغيره ، وإنما راجع التوراة لتعريفهم أن حكم التوراة موافق لما يحكم به عليهم ، وأنهم تاركون لشريعتهم ، مخالفون لحكمهم ، ثم هذا حجة لنا ، فإن حكم الله في وجوب الرجم إن كان ثابتا في حقهم يجب أن يحكم به عليهم ، فقد ثبت وجود الإحصان فيهم ، فإنه لا معنى له سوى وجوب الرجم على من زنى منهم بعد وجود شروط الإحصان منه ، وإن منعوا ثبوت الحكم في حقهم ، فلم حكم به النبي صلى الله عليه وسلم ؟ . ولا يصح القياس على إحصان القذف ; لأن من شرطه العفة ، وليست شرطا هاهنا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية