[ ص: 45 ] مسألة ; قال : ( وإذا زنى الحر البكر ، جلد مائة ، وغرب عاما ) يعني لم يحصن وإن كان ثيبا ، وقد ذكرنا الإحصان وشروطه ، ولا خلاف في وجوب الجلد على الزاني إذا لم يكن محصنا ، وقد جاء بيان ذلك في كتاب الله تعالى ، بقوله سبحانه : { الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة } .
وجاءت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم موافقة لما جاء به الكتاب . ويجب مع الجلد تغريبه عاما ، في قول جمهور العلماء . روي ذلك عن الخلفاء الراشدين . وبه قال ، أبي ، وأبو داود ، وابن مسعود رضي الله عنهم ، وإليه ذهب وابن عمر ، عطاء ، وطاوس ، والثوري ، وابن أبي ليلى ، والشافعي وإسحاق ، . وأبو ثور
وقال ، مالك والأوزاعي : يغرب الرجل دون المرأة ; لأن المرأة تحتاج إلى حفظ وصيانة ، ولأنها لا تخلو من التغريب بمحرم أو بغير محرم ، لا يجوز التغريب بغير محرم ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { } . ولأن تغريبها بغير محرم إغراء لها بالفجور ، وتضييع لها ، وإن غربت بمحرم ، أفضى إلى تغريب من ليس بزان ، ونفي من لا ذنب له ، وإن كلفت أجرته ، ففي ذلك زيادة على عقوبتها بما لم يرد الشرع به ، كما لو زاد ذلك على الرجل ، والخبر الخاص في التغريب إنما هو في حق الرجل ، وكذلك فعل الصحابة رضي الله عنهم ، والعام يجوز تخصيصه ; لأنه يلزم من العمل بعمومه مخالفة مفهومه ، فإنه دل بمفهومه على أنه ليس على الزاني أكثر من العقوبة المذكورة فيه ، وإيجاب التغريب على المرأة يلزم منه الزيادة على ذلك ، وفوات حكمته ; لأن الحد وجب زجرا عن الزنا ، وفي تغريبها إغراء به ، وتمكين منه ، مع أنه قد يخصص في حق الثيب بإسقاط الجلد ، في قول الأكثرين ، فتخصيصه هاهنا أولى . لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر ، أن تسافر مسيرة يوم وليلة ، إلا مع ذي محرم
وقال ، أبو حنيفة : لا يجب التغريب ; لأن ومحمد بن الحسن رضي الله عنه قال : حسبهما من الفتنة أن ينفيا . وعن عليا ، أن ابن المسيب غرب عمر ربيعة بن أمية بن خلف في الخمر إلى خيبر ، فلحق بهرقل فتنصر ، فقال : لا أغرب مسلما بعد هذا أبدا . ولأن الله تعالى أمر بالجلد دون التغريب ، فإيجاب التغريب زيادة على النص . ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم { عمر : البكر بالبكر ، جلد مائة وتغريب عام } . وروى ، أبو هريرة وزيد بن خالد ، { أنيسا الأسلمي أن يأتي امرأة الآخر ، فإن اعترفت رجمها ، فاعترفت فرجمها } . متفق عليه . وفي الحديث ، أنه قال : فسألت رجالا من أهل العلم ، فقالوا : إنما على ابنك جلد مائة وتغريب عام . وهذا يدل على أن هذا كان مشهورا عندهم ، من حكم الله تعالى ، وقضاء رسوله صلى الله عليه وسلم . أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما : إن ابني كان عسيفا على هذا ، فزنى بامرأته ، وإنني افتديت منه بمائة شاة ووليدة ، فسألت رجالا من أهل العلم ، فقالوا : إنما على ابنك جلد مائة وتغريب عام ، والرجم على امرأة هذا . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده ، لأقضين بينكما بكتاب الله عز وجل ، على ابنك جلد مائة ، وتغريب عام . وجلد ابنه مائة ، وغربه عاما وأمر
وقد قيل : إن الذي قال له هذا هو أبو بكر رضي الله عنهما . ولأن التغريب فعله وعمر الخلفاء الراشدون ، ولا نعرف لهم في الصحابة مخالفا ، فكان إجماعا ، ولأن الخبر يدل على عقوبتين في حق الثيب ، وكذلك في حق البكر ، وما رووه عن لا يثبت ; لضعف رواته وإرساله . وقول علي : لا أغرب بعده مسلما . فيحتمل أنه أراد تغريبه في الخمر الذي أصابت الفتنة عمر ربيعة فيه . وقول يخالف عموم الخبر والقياس ; [ ص: 46 ] لأن ما كان حدا في الرجل ، يكون حدا في المرأة كسائر الحدود . مالك
وقول فيما يقع لي ، أصح الأقوال وأعدلها ، وعموم الخبر مخصوص بخبر النهي عن سفر المرأة بغير محرم ، والقياس على سائر الحدود لا يصح ; لأنه يستوي الرجل والمرأة في الضرر الحاصل بها ، بخلاف هذا الحد ، ويمكن قلب هذا القياس ، بأنه حد ، فلا تزاد فيه المرأة على ما على الرجل ، كسائر الحدود مالك