( 7171 ) فصل : ويجب قتل البهيمة . وهذا قول ، وأحد قولي أبي سلمة بن عبد الرحمن . وسواء كانت مملوكة له أو لغيره ، مأكولة أو غير مأكولة . قال الشافعي أبو بكر : الاختيار قتلها ، وإن تركت فلا بأس . وقال إن كانت مأكولة ذبحت ، وإلا لم تقتل . وهذا قول ثان الطحاوي ; { للشافعي لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذبح الحيوان لغير مأكلة } .
ولنا ، قول النبي صلى الله عليه وسلم : { من أتى بهيمة ، فاقتلوه ، واقتلوا البهيمة } ولم يفرق بين كونها مأكولة أو غير مأكولة ، ولا بين ملكه وملك غيره . فإن قيل : الحديث ضعيف ، ولم يعملوا به في قتل الفاعل الجاني ، ففي حق حيوان لا جناية منه أولى . قلنا : إنما يعمل به في قتل الفاعل على إحدى الروايتين ، لوجهين ; أحدهما ، أنه حد ، والحدود تدرأ بالشبهات ، وهذا إتلاف مال ، فلا تؤثر الشبهة فيه . والثاني : أنه إتلاف آدمي ، وهو أعظم المخلوقات حرمة ، فلم يجز التهجم على إتلافه إلا بدليل في غاية القوة ، ولا يلزم مثل هذا في إتلاف مال ، ولا حيوان سواه . إذا ثبت هذا ، فإن الحيوان إن كان للفاعل ، ذهب هدرا ، وإن كان لغيره ، فعلى الفاعل غرامته ; لأنه سبب إتلافه ، فيضمنه ، كما لو نصب له شبكة فتلف بها . ثم إن كانت مأكولة ، فهل يباح أكلها ؟ على وجهين . أيضا في ذلك وجهان ; أحدهما ، يحل أكلها ; لقول الله تعالى : { وللشافعي أحلت لكم بهيمة الأنعام } . ولأنه حيوان من جنس يجوز أكله ، ذبحه من هو من أهل الذكاة ، فحل أكله ، كما لو لم يفعل به هذا الفعل ، ولكن يكره أكله ; لشبهة التحريم [ ص: 60 ]
والوجه الثاني : لا يحل أكلها ; لما روي عن ، أنه قيل له : ما شأن البهيمة ؟ قال : ما أراه قال ذلك ، إلا أنه كره أكلها وقد فعل بها ذلك الفعل . ولأنه حيوان يجب قتله ، لحق الله تعالى ، فلم يجز أكله ، كسائر المقتولات ، واختلف في علة قتلها ، فقيل : إنما قتلت لئلا يعير فاعلها ، ويذكر برؤيتها . وقد روى ابن عباس ، بإسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { ابن بطة } . وقيل : لئلا تلد خلقا مشوها . وقيل : لئلا تؤكل . وإليها أشار من وجدتموه على بهيمة فاقتلوه ، واقتلوا البهيمة . قالوا : يا رسول الله ما بال البهيمة ؟ قال : لا يقال هذه وهذه في تعليله . ولا يجب قتلها حتى يثبت هذا العمل بها ببينة ، فأما إن أقر الفاعل ، فإن كانت البهيمة له ، ثبت بإقراره ، وإن كانت لغيره ، لم يجز قتلها بقوله ; لأنه إقرار على ملك غيره ، فلم يقبل ، كما لو أقر بها لغير مالكها . وهل يثبت هذا بشاهدين عدلين ، وإقرار مرتين ، أو يعتبر فيه ما يعتبر في الزنى ؟ على وجهين ، نذكرهما في موضعهما ، إن شاء الله تعالى . ابن عباس