( 7184 ) مسألة : قال : ( أو أحرار عدول ، يصفون الزنا ) ذكر يشهد عليه أربعة رجال من المسلمين في شهود الزنا سبعة شروط ; أحدها : أن يكونوا أربعة . وهذا إجماع ، لا خلاف فيه بين أهل العلم ; لقول الله تعالى : { الخرقي واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم } . وقال تعالى : { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة } .
وقال تعالى : { لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون } { لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أرأيت لو وجدت مع امرأتي رجلا ، أمهله حتى آتي بأربعة شهداء ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : نعم . سعد بن عبادة } رواه وقال ، في " الموطإ " مالك وأبو داود في " سننه " الشرط الثاني : أن يكونوا رجالا كلهم ، . ولا نعلم فيه خلافا ، إلا شيئا يروى عن ولا تقبل فيه شهادة النساء بحال ، عطاء وحماد ، أنه يقبل فيه ثلاثة رجال وامرأتان . وهو شذوذ لا يعول عليه ; لأن لفظ الأربعة اسم لعدد المذكورين ، ويقتضي أن يكتفى فيه بأربعة ، ولا خلاف في أن الأربعة إذا كان بعضهم نساء لا يكتفى بهم ، وإن أقل ما يجزئ [ ص: 65 ] خمسة وهذا خلاف النص ; ولأن في شهادتهن شبهة ; لتطرق الضلال إليهن ، قال الله تعالى : { أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى } . والحدود تدرأ بالشبهات . الشرط الثالث : . الحرية ، فلا تقبل فيه شهادة العبيد
ولا نعلم في هذا خلافا ، إلا رواية حكيت عن ، أن شهادتهم تقبل . وهو قول أحمد ; لعموم النصوص فيه ; ولأنه عدل ذكر مسلم فتقبل شهادته ، كالحر . ولنا أنه مختلف في شهادته في سائر الحقوق ، فيكون ذلك شبهة تمنع من قبول شهادته في الحد ; لأنه يندرئ بالشبهات . أبي ثور
الشرط الرابع : العدالة ، ولا خلاف في اشتراطها ; فإن العدالة تشترط في سائر الشهادات ، فهاهنا مع مزيد الاحتياط أولى ، فلا تقبل ، ولا مستور الحال الذي لا تعلم عدالته ; لجواز أن يكون فاسقا . الخامس : أن يكونوا مسلمين ، فلا تقبل شهادة الفاسق فيه ، سواء كانت الشهادة على شهادة أهل الذمة أو ذمي ; لأن أهل الذمة كفار ، لا تتحقق العدالة فيهم ، ولا تقبل روايتهم ولا أخبارهم الدينية ، فلا تقبل شهادتهم ، كعبدة الأوثان . مسلم
الشرط السادس ، ، فيقولوا : رأينا ذكره في فرجها كالمرود في المكحلة ، والرشاء في البئر . وهذا قول أن يصفوا الزنا ، معاوية بن أبي سفيان والزهري ، ، والشافعي ، وأبي ثور ، وأصحاب الرأي ; لما روي في قصة { وابن المنذر ماعز ، أنه لما أقر عند النبي صلى الله عليه وسلم بالزنا ، فقال : أنكتها . فقال : نعم . فقال : حتى غاب ذلك منك ، في ذلك منها ، كما يغيب المرود في المكحلة ، والرشاء في البئر ؟ . قال : نعم . } وإذا اعتبر التصريح في الإقرار ، كان اعتباره في الشهادة أولى .
وروى أبو داود ، بإسناده عن ، قال : { جابر اليهود برجل منهم وامرأة زنيا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ائتوني بأعلم رجلين منكم . فأتوه بابني صوريا ، فنشدهما : كيف تجدان أمر هذين في التوراة ؟ . قالا : نجده في التوراة إذا شهد أربعة أنهم رأوا ذكره في فرجها ، مثل الميل في المكحلة ، رجما . قال : فما يمنعكم أن ترجموهما ؟ قالا : ذهب سلطاننا ، وكرهنا القتل . فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشهود ، فجاء أربعة ، فشهدوا أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم برجمهما . } ولأنهم إذا لم يصفوا الزنا احتمل أن يكون المشهود به لا يوجب الحد فاعتبر كشفه . جاءت
قال بعض أهل العلم : يجوز للشهود أن ينظروا إلى ذلك منهما ، لإقامة الشهادة عليهما ليحصل الردع بالحد ، فإن شهدوا أنهم رأوا ذكره قد غيبه في فرجها كفى ، والتشبيه تأكيد . وأما تعيينهم المزني بها أو الزاني ، إن كانت ، فذكر الشهادة على امرأة ، ومكان الزنا أنه يشترط ، لئلا تكون المرأة ممن اختلف في إباحتها ، ويعتبر ذكر المكان ، لئلا تكون شهادة أحدهم على غير الفعل الذي شهد به الآخر ، ولهذا { القاضي ماعزا ، فقال : إنك أقررت أربعا ، فبمن ؟ } . وقال سأل النبي صلى الله عليه وسلم ابن حامد : لا يحتاج إلى ذكر هذين ; لأنه لا يعتبر ذكرهما في الإقرار ، ولم يأت ذكرهما في الحديث [ ص: 66 ] الصحيح ، وليس في حديث الشهادة في رجم اليهوديين ذكر المكان ; ولأن ما لا يشترط فيه ذكر الزمان لا يشترط فيه ذكر المكان ، كالنكاح ، ويبطل ما ذكره بالزمان .
الشرط السابع ، . ذكره مجيء الشهود كلهم في مجلس واحد ، فقال : وإن جاء أربعة متفرقين ، والحاكم جالس في مجلس حكمه ، لم يقم قبل شهادتهم ، وإن جاء بعضهم بعد أن قام الحاكم ، كانوا قذفة ، وعليهم الحد . وبهذا قال الخرقي ، مالك . وأبو حنيفة
وقال ، والبتي ، الشافعي : لا يشترط ذلك ; لقول الله تعالى : { وابن المنذر لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء } . ولم يذكر المجلس ، وقال تعالى : { فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت } . ولأن كل شهادة مقبولة إن اتفقت ، تقبل إذا افترقت في مجالس ، كسائر الشهادات .
ولنا أن أبا بكرة ونافعا وشبل بن معبد شهدوا عند ، على عمر بالزنا ، ولم يشهد زياد ، فحد الثلاثة . المغيرة بن شعبة
ولو كان المجلس غير مشترط ، لم يجز أن يحدهم ; لجواز أن يكملوا برابع في مجلس آخر ; ولأنه لو شهد ثلاثة ، فحدهم ، ثم جاء رابع فشهد ، لم تقبل شهادته ، ولولا اشتراط المجلس ، لكملت شهادتهم . وبهذا فارق سائر الشهادات . وأما الآية : فإنها لم تتعرض للشروط ، ولهذا لم تذكر العدالة ، وصفة الزنا ; ولأن قوله : { ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم } . لا يخلو من أن يكون مطلقا في الزمان كله ، أو مقيدا ، لا يجوز أن يكون مطلقا ; لأنه يمنع من جواز جلدهم ; لأنه ما من زمن إلا يجوز أن يأتي فيه بأربعة شهداء ، أو بكمالهم إن كان قد شهد بعضهم ، فيمتنع جلدهم المأمور به ، فيكون تناقضا ، وإذا ثبت أنه مقيد ، فأولى ما قيد بالمجلس ; لأن المجلس كله بمنزلة الحال الواحدة ، ولهذا ثبت فيه خيار المجلس ، واكتفي فيه بالقبض فيما يعتبر القبض فيه .
إذا ثبت هذا ، فإنه لا يشترط اجتماعهم حال مجيئهم ، ولو جاءوا متفرقين واحدا بعد واحد ، في مجلس واحد ، قبل شهادتهم . وقال ، مالك : إن جاءوا متفرقين ، فهم قذفة ; لأنهم لم يجتمعوا في مجيئهم ، فلم تقبل شهادتهم ، كالذين لم يشهدوا في مجلس واحد . ولنا قصة وأبو حنيفة المغيرة ، فإن الشهود جاءوا واحدا بعد واحد وسمعت شهادتهم ، وإنما حدوا لعدم كمالها . وفي حديثه ، أن قال : أرأيت إن جاء آخر يشهد ، أكنت ترجمه ؟ . قال أبا بكرة : أي ، والذي نفسي بيده . ولأنهم اجتمعوا في مجلس واحد ، أشبه ما لو جاءوا مجتمعين ; ولأن المجلس كله بمنزلة ابتدائه ، لما ذكرناه . عمر
وإذا تفرقوا في مجالس ، فعليهم الحد ; لأن من شهد بالزنا ، ولم يكمل الشهادة يلزمه الحد ; لقوله تعالى : { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة } .