الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 7486 ) فصل وإذا دخل حربي دار الإسلام بأمان ، فأودع ماله مسلما أو ذميا ، أو أقرضهما إياه ، ثم عاد إلى دار الحرب ، نظرنا ; فإن دخل تاجرا ، أو رسولا ، أو متنزها ، أو لحاجة يقضيها ثم يعود إلى دار الإسلام ، فهو على أمانه في نفسه وماله ; لأنه لم يخرج بذلك عن نية الإقامة بدار الإسلام ، فأشبه الذمي إذا دخل لذلك ، وإن دخل مستوطنا ، بطل الأمان في نفسه ، وبقي في ماله ; لأنه بدخوله دار الإسلام بأمان ; ثبت الأمان لماله الذي معه ، فإذا بطل في نفسه بدخوله دار الحرب ، بقي في ماله ; لاختصاص المبطل بنفسه ، فيخص البطلان به .

                                                                                                                                            فإن قتل : فإنما يثبت الأمان لماله تبعا ، فإذا بطل في المتبوع ، بطل في التبع . قلنا : بل يثبت له الأمان لمعنى وجد فيه ، وهو إدخاله معه ، وهذا يقتضي ثبوت الأمان له . وإن لم يثبت في نفسه ، بدليل ما لو بعثه مع مضارب له أو وكيل ، فإنه يثبت الأمان ، ولم يثبت الأمان في نفسه ، ولم يوجد فيه ها هنا ما يقتضي الأمان فيه ، فبقي على ما كان عليه . ولو أخذه معه إلى دار الحرب لنقض الأمان فيه ، كما ينتقض في نفسه ، لوجود المبطل منهما .

                                                                                                                                            فإذا ثبت هذا ، فإن صاحبه إن طلبه بعث إليه ، وإن تصرف فيه ببيع أو هبة أو غيرهما ، صح تصرفه . وإن مات في دار الحرب انتقل إلى وارثه ، ولم يبطل الأمان فيه . وقال أبو حنيفة : يبطل فيه . وهو قول الشافعي ; لأنه قد صار لوارثه ، ولم يعقد فيه أمانا ، فوجب أن يبطل فيه ، كسائر أمواله . ولنا ، أن الأمان حق له لازم متعلق بالمال ، فإذا انتقل إلى الوارث ، انتقل لحقه ، كسائر الحقوق ; من الرهن ، والضمين ، والشفعة .

                                                                                                                                            وهذا اختيار المزني . ولأنه مال له أمان ، فينتقل إلى وارثه مع بقاء الأمان فيه ، كالمال الذي مع مضاربه . وإن لم يكن له وارث ، صار فيئا لبيت المال . فإن كان له وارث في دار الإسلام ، فقال القاضي : لا يرثه ، لاختلاف الدارين . والأولى أنه يرثه ; لأن ملتهما واحدة ، فيرثه كالمسلمين ، وإن مات المستأمن في دار الإسلام ، فهو كما لو مات في دار الحرب ، سواء ; لأن المستأمن حربي تجري عليه أحكامهم .

                                                                                                                                            وإن رجع إلى دار الحرب ، فسبي واسترق ، فقال القاضي : يكون ماله موقوفا حتى يعلم آخر أمره ، بموت أو غيره ، فإن مات كان فيئا ; لأن الرقيق لا يورث ، وإن عتق كان له ، وإن لم يسترق ، ولكن من عليه الإمام ، أو فاداه ، فماله له ، وإن قتله ، فماله لورثته ، وإن لم يسب ولكن دخل دار الإسلام بغير أمان ، ليأخذ ماله ، جاز قتله وسبيه ; لأن ثبوت الأمان لماله لا يثبت الأمان له ، كما لو كان ماله وديعة بدار الإسلام وهو مقيم بدار الحرب .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية