وقال أصحاب الرأي : ما كثر من الصدقة فهو أفضل ; لأن { من لحمها ، وحسيا من مرقها . ونحر خمس بدنات ، أو ست بدنات ، وقال : من شاء فليقتطع . ولم يأكل منهن شيئا وعلي } . ولنا ، ما روي { النبي صلى الله عليه وسلم أهدى مائة بدنة ، وأمر من كل بدنة ببضعة ، فجعلت في قدر ، فأكل هو عن ، في صفة أضحية النبي صلى الله عليه وسلم قال : يطعم أهل بيته الثلث ، ويطعم فقراء جيرانه الثلث ، ويتصدق على السؤال بالثلث . ابن عباس } رواه الحافظ أبو موسى الأصفهاني ، في الوظائف ، وقال : حديث حسن . ولأنه قول ابن مسعود ، ولم نعرف لهما مخالفا في الصحابة ، فكان إجماعا ; ولأن الله تعالى قال : { وابن عمر فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر } .
والقانع : السائل يقال : قنع قنوعا . إذا سأل وقنع قناعة إذا رضي . قال الشاعر :
لمال المرء يصلحه فيغني مفاقره أعف من القنوع
والمعتر : الذي يعتريك . أي يتعرض لك لتطعمه ، فلا يسأل ، فذكر ثلاثة أصناف ، فينبغي أن يقسم بينهم أثلاثا . وأما الآية التي احتج بها أصحاب ، فإن الله - تعالى - لم يبين قدر المأكول منها والمتصدق به ، وقد نبه عليه في آيتنا ، وفسره النبي صلى الله عليه وسلم بفعله ، الشافعي بقوله ، وابن عمر بأمره . وأما خبر أصحاب الرأي ، فهو في الهدي ، والهدي يكثر ، فلا يتمكن الإنسان من قسمه ، وأخذ ثلثه ، فتتعين الصدقة بها ، والأمر في هذا واسع ، فلو تصدق بها كلها أو بأكثرها جاز ، وإن أكلها كلها إلا أوقية تصدق بها جاز . وابن مسعودوقال أصحاب : يجوز أكلها كلها . ولنا ، أن الله تعالى قال : { الشافعي فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر } . وقال : { وأطعموا البائس الفقير } والأمر يقتضي الوجوب وقال بعض أهل العلم : يجب الأكل منها ، ولا تجوز الصدقة بجميعها ; للأمر بالأكل منها . ولنا ، أن النبي صلى الله عليه وسلم نحر خمس بدنات ، ولم يأكل منهن شيئا ، وقال " من شاء فليقتطع " . ولأنها ذبيحة يتقرب إلى الله - تعالى - بها فلم يجب الأكل منها ، كالعقيقة ، والأمر للاستحباب ، أو الإباحة ، كالأمر بالأكل من الثمار والزرع ، والنظر إليها .