الحاجة إلى إحياء الثقافة الذاتية
وأشعر في هـذه الأيام بأن الحاجة ماسة إلى إحياء ثقافتنا الذاتية، وتنقية جوها، وتوسيع دائرتها، فإن الاستعمار الثقافي الملحاح نجح في إعطاب شخصيتنا المعنوية، وفتنة ألوف مؤلفة عن عقائدنا، وعباداتنا، وأخلاقنا، كما نجح في بلبلة ألسنتنا، وطي شرائعنا، وتحقير شعائرنا، ودفعنا في المجتمع الدولي بلا صبغة حقيقية وهوية متميزة، وهذا هـو الانهزام التام..!!
إن الرجل عندنا قد ينال أعلى الإجازات العلمية في الطب أو القانون، وقد يعين في أعلى المناصب بأوربا وأميركا ، لكن صلته بدينه صفر، وعلاقته بجنسه هـواء، على حين يكون زميله اليهودي كالإعصار في خدمة الصهيونية، وزميله النصراني أسرع من البرق في خدمة الاستعمار! فهل هـذا المسلم البارد الشعور، أو المرتد القلب يجدي على أمته شيئا؟ إنه كالجندي المرتزق بسلاحه يخدم أي مبدأ على ملء بطنه وإيثار عاجلته..
وانتشار التعليم المدني في بلادنا على أساس تجريده من ثقافتنا الذاتية، وانتمائنا المحدد شيء يضر ولا يسر، ويقلق ولا يطمئن.. [ ص: 49 ]
وعندما نعود إلى قواعدنا الروحية والفكرية لا بد من تجنب محظورات كثيرة..
العقائد عندنا أقل كما وكيفا من الكتب التي تعرضها، ومجادلات الفراغ التي حفت بها والتي شعبت قضاياها دونما سبب.. وهي تستفاد من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في وقت قليل، والمهم أن تتشبث بالقلب، وتتحول إلى قوة دافعة، ونور يضيء الطريق..
العبادات وعلومها ليست بحرا طاما لا ساحل له.. إنها في ديننا سهلة الفهم والأداء! ويوجد ناس يحبون أن يشرحوا الطهارة للصلاة في شهر من الزمان (!) إن هـذا المسلك ضرب من البطالة المقنعة، وقد شاع في عصور شتى اعتبار الكلام في الإسلام هـو العمل الأول والأخير به... وما كان سلفنا العظيم كذلك قط، كان يتعلم دينه في ساعات قلائل، ثم يشق ميادين الحياة به مستبطنا روحه، منطلقا إلى أهدافه في جد وصدق..
نعم قد يوجد متخصصون في دراسات معينة، وللتخصص رجالاته ومطالبه، كأي ميدان علمي آخر.
بناء الأفراد على الأخلاق الفاضلة، وبناء المجتمعات على التقاليد الشريفة ركن ركين في دين الله، والتربية كالزراعة والصناعة عمل يحتاج إلى جهد طويل، وتشترك فيه عناصر كثيرة، وليس كلاما مرسلا، أو خطابة حماسية..
كيف نخلص النفوس من الحرص والحقد والكبر والرياء؟
كيف ننشئ ناسا يحبون الإتقان، ويعشقون الجمال والإجادة، ويرفضون الخلل والفوضى؟
في أمة يكره دينها الأمر الفرط، لماذا ينتشر التسيب في إداراتها؟ وفي أمة يبنى فقهها على النظافة لماذا تنتشر القمامة والوساخة؟ [ ص: 50 ]
إن تقاليد الرياء تقتل الرجال والنساء في أكلهم وشربهم ولباسهم وزواجهم وأحوالهم كلها، أين السهولة والإخلاص والبساطة، وديننا أساسه الفطرة؟
أحيانا أنظر إلى حضارة الغرب فأجدها - على ما بها - أقرب إلى فطرة الله من ضروب التكلف والتزوير التي نمارسها بالليل والنهار.. فنغضب ربنا ونشقي أنفسنا!
ما أفدح الثمن الذي تدفعه أمتنا للحفاظ على تقاليد ما أنزل الله بها من سلطان، وعلى تزويق الظاهر مع خواء الباطن!!