الفصل الأول حول مفهوم التنمية
كان الفكر الاقتصادي الغربي هـو الذي وضع مؤشرات التنمية في العصر الحديث، وذلك من خلال منظور اقتصادي، وعرفت التنمية بأنها تنشيط الاقتصاد الوطني، وتحويله من حالة الركود والثبات، إلى حالة الحركة والديناميكية ، عن طريق زيادة مقدرة الاقتصاد الوطني لتحقيق زيادة سنوية ملموسة في إجمالي الناتج الوطني، مع تغيير في هـياكل الإنتاج ووسائله، ومستوى العمالة، وتزايد الاعتماد على القطاع الصناعي والحرفي، يقابله انخفاض في الأنشطة التقليدية، ويعني ذلك تغيير البنية الاقتصادية بالتحول إلى اقتصاد الصناعة، ولهذا اعتبرت الزيادة السنوية الملموسة في إجمالي الناتج الوطني، ومتوسط دخل الفرد، من المؤشرات الأساسية للتنمية.
ونسارع إلى القول: بأنه إذا كان هـذا المفهوم للتنمية ينطبق على واقع البلاد الغربية، فإنه لا يصلح ليعالج واقع البلاد الإسلامية، ولقد برهنت التجارب التي مرت بها البلاد الإسلامية خلال عقدي الخمسينيات والستينيات، عن ذلك الفشل الذريع الذي منيت به الفلسفات السياسية [ ص: 24 ] والاقتصادية التي تبنتها الأنظمة التي خلفت الحكم الاستعماري، والتي عرفت تطبيق هـذه المفاهيم الغربية للتنمية، ويتمثل هـذا الفشل في عجزها عن تحقيق التغيير المنشود بعد حصولها على الاستقلال الرسمي.
وهكذا ارتبطت بأزمة التنمية في البلاد الإسلامية مشكلة نظرية التنمية، ونشير فيما يلي إلى بعض المفاهيم الخطأ، فيما يتعلق بالاختيار التنموي.