الفصل الثالث
وحدة الأمة
الوحدة الإسلامية من منظور العقيدة الدينية
لا يمكن التشكك في وحدة الأمة الإسلامية من الزوايا العقدية، سواء أسند الواقع هـذه المقولة أم عارضها؛ لأن النصوص في وحدتها قطعية الثبوت والدلالة، فلا مجال للاجتهاد معها، إذ لا اجتهاد في موضع النص إذا كان قطعي الثبوت والدلالة.
والآيات القرآنية والأحاديث النبوية أكدت على وحدة الأمة الإسلامية في مواضع عديدة: ( وإن هـذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون ) [المؤمنون:53].
وقد وصف الله الأمة الإسلامية بالوسطية: ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا ) [البقرة:110].
ووصفها بالأفضلية (بالخير) : ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ) [آل عمران:143].
ووصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها أمة واحدة، وبالانفتاح على [ ص: 94 ] الآخرين من الذين ينتمون إليها بانتمائهم للإسلام، وذلك في وثيقة المدينة المشهورة التي كتبها بين المهاجرين والأنصار ومن تبعهم، فلحق بهم وجاهد معهم، حيث ورد في مقدمتها " أنهم أمة واحدة من دون الناس " .
وقد استعمل الرسول صلى الله عليه وسلم كلمة (أمتي) في أحاديث كثيرة للدلالة على أتباعه المؤمنين برسالته، وكل المسلمين في كل زمان ومكان هـم أتباعه وهم أمته [1] . كما استعمل صلى الله عليه وسلم مصطلح (أمة المسلمين) ، وأوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بالمحافظة على وحدتهم، ووصف الفرقة بالكفر فقال: ( لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ) .
وقد شملت الأمة الإسلامية قوميات عديدة تختلف في لغاتها وعناصرها وتواريخها القديمة، لكن دخولها في الإسلام وتثقفها بثقافته وتطبعها بقيمه وسلوكياته قارب بينها، بحيث أصبحت تحس بقوة الارتباط بينها، ليس بسبب اتحاد مصالحها بقدر ما هـو التجانس الروحي والتشريعي والثقافي والسلوكي الذي غلب عليها، وهذا يرجع إلى طبيعة الإسلام وشموله لجوانب الحياة، وتغييره الكبير في الإنسان والمجتمع عقيدة وسلوكا وثقافة ونظما.
ولازالت أحاسيس المسلمين بالوحدة قوية حتى العصر الحديث، ورغم كثرة الانقسامات السياسية وواقع التجزئة الذي يعيشونه خلال القرنين الأخيرين بعد سيطرة القوى العالمية على أجزاء واسعة من عالم الإسلام.
إن الامتداد الجغرافي لعالم الإسلام هـائل يشتمل على مناطق واسعة من قارتي آسيا وأفريقيا ، وهو يعج بالمشكلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. فرغم الإحساس بين الجماهير بوحدة المصير، [ ص: 95 ] فإن المواقف الإقليمية والقومية والقطرية لازالت بحاجة إلى تنسيق كبير لتعبر عن الإحساس الصادق بوحدة الأمة.