من سنن البناء الحضاري
فالاقتضاء الابتدائي في التركيب الإلهي للدعوة العالمية الإسلامية، وللرسالة [ ص: 67 ] النبوية الخاتمة، استدعى التلازم المطلق، بين السنة النبوية المطهرة، والقرآن الكريم، من جهة، واستوجب التلازم المطلق، كذلك بين السنة النبوية، والبناء الحضاري، الذي غايته القصوى هـي تحقيق مقاصد الشارع في الخلق من جهة أخرى، (الاستخلاف والمحافظة على الكون) . ومن هـنا كانت رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم (السنة) مؤلفة بين بنائية القرآن الكريم، وغاية الخلق الكلية (كل البشر) ، على المستوى النظري، ومـفاعلة بين وظيفة القرآن ورسالته، وبين البناء الاجتماعي للحياة الإنسانية، وواقعات الوجود البشري على المستوى العملي.. أعني أن السنة تؤدي دورين:
الأول: على الصعيد المفاهيمي الذي يساهم في توضيح، وكشف المرجعية الكبرى للناس، من خلال رؤية الوحي: للكون والحياة والإنسان.
والثاني: عملي توجيهي، يتمثل في ربط الحياة الإنسانية، والوقائع البشرية، بالأصل المرجعي، الذي هـو (النظام التوحيدي) الكامل الشامل، الذي ختم على يد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .
فالسنة هـي (الموحد) الواقعي بين خطاب الشارع الحكيم، ومقاصده، وبين حاجات الخلق، ورغباتهم في الهدى، وتحقيق مصالحهم (البناء الحضاري) ، ومظهر هـذا التوحيد والمفاعلة بين (الوحي) و (الخلق) في إطار العلاقة الموجودة بينهما (الاستخلاف) هـو الحضارة الإسلامية، التي بناها الرسول صلى الله عليه وسلم ، وواصلتها أمته إلى ما شاء الله من الزمن، قبل أن تتطلب الظروف حديثا جديدا عن بناء حضاري جديد. ولهذا فالحديث عن البناء الجديد، يقتضي بالضرورة المطلقة الحديث عن الموحد الأول، والمنشيء الأول للتجربة الحضارية الإسلامية، أعني (السنة النبوية المطهرة) كناظم، وضابط لحركة البناء الحضاري، من أجل تحقيق مقاصد الشريعة في الخلق، وإحداث التوازن الاجتماعي من جديد في الواقع الإنساني المعضل.. [ ص: 68 ]