ثالثا: المنهج النبوي وعالم البناء الحضاري
هل يمكننا القول: بأن العملية التغييرية قد اكتملت، إذا توفر الشرطان السابقان، وهما:
- طرح المذهبية التوحيدية على المجتمع، ومحاولة ربط الناس بها.
- تثقيف الناس على مشروعها الاجتماعي؟
في الحقيقة، يعتبر الشرطان السابقان، من الركائز الأساسية في أي عملية تغييرية، مهما كانت طبيعتها (مادية أو أخلاقية) ، ولكنهما غير كافيين ما لم ينزلا إلى أرض الواقع، كتشريعات، وسلوكيات، ومواقف يومية، تجسد المضمون الاجتماعي، للرسالة المتبناة. إذ يعتبر الواقع، في هـذه الحالة بمثابة التحدي الحقيقي الذي يواجه عمليات الربط، والتثقيف. ففيه تتأكد المصداقية الاجتماعية للفكرة، ولمشروعها، وتتأكد فيه الاستقامة، والصواب، والعاقبة.
وعلى هـذا الأساس، تضطر الحركة التغييرية، وقيادتها، إلى الانتقال إلى المفصل الثالث من مفاصل التغيير في إطار الاطراد العام للعملية التغييرية بأكملها، وهو مفصل (البناء الحضاري) . وفيه تنزع الحركة إلى الواقع، وساحاته المتنوعة، لتطبق مضامينها، وتنظر لحركة المجتمع اليومية، وتقدم الأفكار العملية.. فهي مرحلة إرساء مؤسسات الميدان المتعلقة بـ:
- توفير شروط العبادة، [ ص: 139 ]
- وشروط الإعمار، والانتشار في الأرض.
- وشروط الإنقاذ للناس، من الظلمات إلى النور.
- والتعارف بين الثقافات والمجتمعات، على أساس نظرية (التقوى) .
ففي هـذه المرحلة، تبنى قدرة الحركة الأدائية، والعملية. فبعد أن كانت في عالمي الربط، والتثقيف، قدره نظرية، تصبح في هـذا المفصل، قدرة عملية، فهي مرحلة (الوعي الواقعي البناء) ، والتفاعل مع سنن الله في الذكر، والأنفس، والكون، واقعيا، استجابة للرؤية التوحيدية، بغرض تحقيق مقاصد الشارع في الخلق، وتثبيت، وحفظ حقوق الدين، والنفس، والعقل، والمال، والنسل، والكون.
فهو نقل للنظرية الحضارية، ومشروعها، إلى أرض الواقع، وتحويل الوعي إلى قيم سلوكية، ومواقف ميدانية منظمة، تدخل في اطراد تسيير المجتمع.