هناك تصنيف شائع، في التعامل مع الأفكار، يتدرج وفق معايير المساحة والتوثيق، ما بين الخاطرة السريعة، والمقال القصير، والمقال الطويل، والبحث، والدراسة
[1] .
والكتاب الذي يجده القارئ بين يديه، ينتمي - في الأغلب - إلى صنف (المقال الطويل) ، حيث تمت معالجة عدد من الموضوعات الملحة بنوع: من الإسهاب والتفصيل، لتغطية سائر المفردات، التي ينطوي عليها كل موضوع. بعض هـذه الموضوعات، مضى للتعامل مع الأفكار والتصورات، من مثل: (المستقبل لهذا الدين) ، و (العقيدة والشريعة والمجتمع) ، و (المعادلة بطرفيها) ، و (من الأنا إلى الآخر إلى العالم) ، و (محاولة لتصور المجتمع الإسلامي ) .
مقالات أخرى، تعاملت مع الوقائع والخبرات والأحداث، من مثل (مغزى سقوط الماركسية) ، و (عصر الاختزال) ، و (الأفقي والعمقي في هـندسة الحياة) ، و (القرآن الكريم وفلسفة التاريخ) ، و (وقفة للنقد) .
إن التماس الجاد مع الحياة، على مستوى الفكر أو الواقع، يدفع المفكر [ ص: 33 ] المسلم - بين الحين والآخر- إلى أن يقول ما عنده، استنادا إلى رؤيته الإسلامية، وقدرته على معالجة المفردات، من المنظور العقدي، الذي ينفتح على العالم، فلا يكاد يدع صغيرة ولا كبيرة، إلا وشكل إزاءها الموقف الفكري، الذي يضعها في مكانها الصحيح، من مسلسل الصراع الأبدي، بين الحق والباطل.. والوجود والضياع.. من أجل أن يتبين المسلم، والإنسان عموما موطئ قدميه في دنيا مكتظة، لا تكف عن التمخض، وفي عالم لاهث، لا تدعه المتغيرات المتلاحقة، يجد (نفسه) أو يستقر على حال.
وإزاء كل خبرة، أو فكرة، أو واقعة، هـنالك (الصراط) الذي يشكله هـذا الدين، وليس وراءه سوى الضلال.
ومهمة المفكر المسلم، أن يكشف عن الصراط، وأن يحذر من الذهاب إلى الطرق المعوجة، التي ضيعت الإنسان، ولا تزال.
هذه المهمة التي هـي بالتأكيد، ليست ترفا، ولا اختيارا، ولكنها فرض عين على كل قادر، من أجل تأكيد مصداقية هـذا الدين، في دائرة الأفكار، أو ساحات التجارب، والوقائع والخبرات..
هي مهمة متجددة، لا تنتهي أبدا: ( وأن هـذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون ) (الأنعام:153) .
والى الله وحده نتوجه بالأعمال.