( 2 )
إن (الصلاح) ليس مسألة نسبية، ولا مزيجا من المفردات المفككة، لكي يتم اختيار بعضها، وإهمال بعضها الآخر، إنه قضية كلية، ونسيج متوحد، ترتبط خيوطه وتتداخل، تداخل السدى واللحمة، في نسيج القماش، بحيث إنه يتم التعامل معه كلا، وإلا تعرض للتمزق، وانفتح فيه العديد من الثغرات، التي يتسرب منها الفساد، ثم ما تلبث أن تأخذ بالاتساع، لكي تصير الثغرة خرقا، ولكي يمتد الخرق، فيأتي على النسيج كله. [ ص: 129 ]
إن هـذا هـو ما حدث في كل الحضارات والمدنيات السابقة، فأتى عليها من القواعد، بغض النظر عن المدى الزمني، الذي يستغرقه الانهيار، وهو التحدي ذاته الذي يجابه الحضارة الغربية اليوم، وعلى مدى المستقبل المنظور.
فليس - إذن - عملا صالحا، ذاك الذي لا يتجذر في الإيمان بالله، ولا يحرص على إنسانية الإنسان، ولا يملك رؤية شمولية، تنطوي على كافة مفردات الصلاح، في الخبرة البشرية، بدءا من الجوانب المادية الصرفة، وانتهاء بآفاق الروح، مرورا بمنظومة القيم الخلقية كافة.
والعمل الصالح، بناء على هـذا، يمتد باتجاهين، لكي يتحقق له الصلاح: اتجاه عمقي، عن طريق تجذره في العقيدة، وتعامله مع الإنسان، وليس نسبيات المنافع القريبة، والمصالح العادلة، والأهواء المتقلبة. واتجاه أفقي، عن طريق امتداده لكي يشمل بالإتقان والإحسان، سائر الخبرات والممارسات البشرية، المادية، والاجتماعية، والأخلاقية، والروحية على السواء.