المرحلة الثانية: الاستعداد والوقاية والتخطيط قبل وقوع الأزمة
وذلك بوضع برنامج لمواجهة الأزمة ومنع حدوثها؛ ويتم في هذه المرحلة وضع خطط لمواجهة الأزمة فيما لو حدثت، كما تقوم المؤسسات بتدريبات افتراضية على مواجهة الكوارث.
المرحلة الثالثة: احتواء الضرر إذا وقع والحد منه
والسيطرة على آثار الأزمة، بتفريغ الأزمة من حدتها وعدم الاندفاع وراء الاستفزاز؛
وهذا ما يفهم من عموم قوله تعالى: ( وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ) (الفرقان:63)،
أي قالوا ما يسلمهم.
وتحرص الإدارة في هذه المرحلة على تقليل الأضرار وعدم توسيع نطاق الأزمة؛ ومن الأحكام الفقهية التي تساعد على احتواء الضرر ومعالجة آثار الأزمة محاورة البغاة إذا خرجوا قبل الوصول إلى القتال معهم، جاء في شرح منتهى الإرادات: «(و) تلزمه-أي الإمام- (إزالة شبههم) ليرجعوا إلى الحق، (و) تلزمه إزالة (ما يدعونه من مظلمة) لأنه وسيلة إلى الصلح المأمور بقوله تعالى: ( فأصلحوا بينهما ) ، فإن نقموا مما لا يحل فعله أزاله، وإن نقموا مما يحل فعله لالتباس الأمر فيه عليهم فاعتقدوا مخالفته للحق بين لهم دليله وأظهر لهم وجهه؛ لبعث علي ابن عباس إلى الخوارج لما تظاهروا بالعبادة والخشوع وحمل المصاحف في أعناقهم، ليسألهم عن [ ص: 90 ] سبب خروجهم، وبين لهم الحجة، التي تمسكوا بها، في قصة مشهورة» [1] .
وإذا حدث قتال فقد فتح الشرع لهم الباب للتوبة، وذلك بعدم تضمين البغاة إذا فاءوا إلى أمر الله وتركوا القتال؛ فجمهور الفقهاء على عدم تضمينهم ما ترتب على ثورتهم من دماء وأموال، إذا أتلفت أثناء البغي، لأن الغرض إماتة الضغائن وسبل الأحقاد دون ضمان الجنايات [2] ، وهذا التفات واضح لمعالجة الآثار النفسية لأزمة اجتماعية تمثلت بالخروج المسلح على الدولة، وتحفيزا للبغاة على ترك بغيهم والعودة للعمل ضمن النظام، وتحويل فريق الأزمة أو جزء منهم إلى فريق للعمل مع المؤسسة ولصالحها.
المرحلة الرابعة: استعادة النشاط
وهي العلميات التي يقوم بها الجهاز التنفيذي لإدارة الأزمة لغرض استعادة توازنه ومقدرته على ممارسة أعماله وترميم آثار الضرر؛ ومن هذا القبيل ما قام به معاوية، رضي الله عنه، من تسيير غزوة إلى القسطنطينية عام 50 للهجرة، بعد عـام الجماعة، شارك فيها أنصار علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، وكان في الجيش، من الصحابة، رضي الله عنهم، ابن عباس [ ص: 91 ] وابن عمر وابن الزبير [3] وأبو أيوب الأنصاري - وكان من خاصة علي، قاتل معه في صفين والجمل ثم جاهد مع يزيد بن معاوية في غزو الروم ابتغاء الأجر من الله ابن الجوزي، المنتظم (دار صادر، 1358هـ) 5/224. ذكر بعض المؤرخين أن غزو القسطنطينية كان عام 52 للهجرة. ؛ وكان معاوية، رضي الله عنه، حريصا على مشاركة أنصار علي ومنهم ابن عباس ووضع ابنه يزيد أميرا على الجيش. وكانت هذه الغزوة أحد أساليب استعادة النشاط بعد الفتنة والمعارك بين المسلمين، حيث إن أنصار علي، رضي الله عنه، وقفوا يقاتلون مع جيش معاوية تغليبا للمصلحة الكبرى.. ومن هنا يتضح أن تبني القيادة لأهداف كبرى تلتقي عليها الأمة هو أحد أسباب القضاء على الخلافات داخل المجتمع.
المرحلة الخامسة: التقييم والتعلم [4] ودراسة سبب حدوث الأزمة [5]
ويتم خلالها دراسة أسباب الأزمة، لمعرفة نقاط التقصير، للعمل على تجاوزها، ومواجهة المستقبل بقدرة تنافسية أعلى، ومن الملاحـظ أن الذين لا يقومون بما ينبغي من تقييم وتعلم يعللون موقفهم بأن تحليل الماضي يعني [ ص: 92 ] فتـح الجراح، أو بسبـب الشعور بالزهـو وأن لدى الإدارات من الخبرة ما يكفي لمواجهة الأزمة المستقبلية [6] ، وهذا التعليل خاطئ من الناحية العلمية؛ لأنه ينبغي أن نفرق بين فتـح الجراح وبين التحـليل للاعتبار بقصـد عدم تكرار الخطأ.
والقرآن الكريم أكد مبدأ المراجعة للاعتبار من الأخطاء، ففي قصة سيدنا آدم، عليه السلام، مع إبليس:
قال جل ذكره : ( فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم ) (البقرة:37)،
فذكر الخطأ في قصة سيدنا آدم كان للاعتبار والمراجعة وصولا إلى المبدأ الذي تحتاجه ذريته:
( أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا ) (الكهف:50).
كما أكد القرآن الكريم هذا المبدأ في مراجعته لأسباب الهزيمة والتعثر،
كما في أعقـاب غزوة أحـد: ( أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير ) (آل عمران:165)؛
وفي أعقاب غزوة حنين، ورغم الانتصار، نبه إلى سبب التعثر في بداية الأمر:
( ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا ) (التوبة:25)،
لينبه إلى خطر الاغترار بالقوة. [ ص: 93 ]