الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
المطلب الرابع

طرق التعامل مع الأزمة

1- تفعيل مبدأ الشورى وتبني أسلوب فريق العمل

وذلك بحيث تعتمد الإدارة على رفع معنويات العاملين وقت الأزمات، وإشعال روح الإبداع بينهم لتقديم حلول وآراء غير مسبوقة [1] .. وتنجح هذه الطريقة في الأزمات المتصلة بالأفراد وفي المجتمعات التي تقدر المسؤولية وتتميز بوجود نوع من المحبة بين القيادة والأفراد، كما ( قال الرسول صلى الله عليه وسلم قال: خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم ويصلون عليكم وتصلون عليهم ) [2] .

والأمراء الذين وصفهم الرسول صلى الله عليه وسلم بأنهم خير الأمراء هم الذين تحبهم الرعية في حياتهم وتصلي عليهم وتترحم بعد مماتهم، وهؤلاء هم القادرون على مواجهة الأزمة بتبني الأساليب الشورية، فيكون عدلهم رصيدا لهم في الأزمات.

وتعتمد الإدارة في ذلك على: [ ص: 97 ]

أ- فريق عمل مؤقت، يدعى له الخبراء في شأن الأزمة؛ ويفترض وجود قائمة تضم خبراء تلجأ إليهم المؤسسة للتشاور في حال حدوث أزمة؛ وتكون مهمة الفريق تشخيص الأزمة بشكل فوري وسريع، وإعداد خطة للتعامل معها، ومتابعة التنفيذ.. وتنتهي مهمة الفريق بانتهاء الأزمة.

ب- فريق عمل دائم، مهمته معالجة الأزمة في بداياتها، وغالبا ما يختار لهذه الإدارات أشخاص ذوي مؤهلات خاصة، يتم صقل قدراتهم ورفع لياقتهم بدورات إدارية، حتى لا يكونوا متأثرين بالضغط الواقع عليهم عند حدوث الأزمة [3] .

2- طريقة تفتيت [4]

وهي طريقة موفقة للتعامل مع الأزمات الضخمة، فإذا تم تفتيت الأزمة إلى مجموعة أزمات يخف شدة تأثيرها ويمكن السيطرة عليها، ومن طبع الأزمة أن تجذب نحوها أزمات فرعية؛ لأنها تتوجه نحو نقاط الضعف، فإذا استطاع الإداري أن يفتت الأزمة ثم يبدأ بالأهم ففي الغالب سيتمكن من السيطرة على الأزمات الفرعية بسيطرته على الأزمة الرئيسة، بحيث يفرق تجمع فريق الأزمة لتخفيف الضغط على الإدارة.

وللنجاح في تفتيت الأزمة ينبغي معرفة القوى الصانعة للأزمة، والوعي بالمصالح المتعارضة لقوى الأزمة، والمنافع التي يمكن أن تكتفي بها بعض قوى [ ص: 98 ] الأزمة، وإقناعهم أن استمرار المكاسب يقتضي عدم الاستمرار في التحالف مع قوى الأزمة.

ومن شواهـد تفتيت الأزمة، في العمل العسـكري، ما قام به نعيم ابن مسعود، رضي الله عنه، في غزوة الأحزاب حين خذل عن المسلمين، وفرق تجمع اليهود مع قريش.. ويلاحظ أن الأزمة بعد ذلك بدأت تتفكك، إذ فقد اليهود في المدينة الدعم الخارجي وسلط الله على كفار قريش الريح. جاء في مختصر السيرة النبوية:

...ثم إن الله عز وجل -وله الحمد- صنع أمرا عنده خذل به العدو، فمن ذلك أن رجلا من غطفان -يقال له نعيم بن مسعود- جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: قد أسلمت فمرني بما شئت، فقال: إنما أنت رجل واحد فخذل عنا ما استطعت، فإن الحرب خدعة.. فذهب إلى بني قريظة -وكان عشيرا لهم- فدخل عليهم وهم لا يعلمون بإسلامه فقال: إنكم قد حاربتم محمـدا وإن قريشا إن أصابوا فرصـة انتهـزوها وإلا انشمروا.. قالوا: فما العمل؟ قال: لا تقاتلوا معهم حتى يعطوكم رهائن.. فقالوا: قد أشرت بالرأي.. ثم مضى إلى قريش فقال: هل تعلمون ودي لكم ونصحي؟ قالوا: نعم.. قال: إن اليهود قد ندموا على ما كان منهم، وإنهم قد أرسلوا إلى محمد أنهم يأخذون منكم رهائن يدفعونها إليه، ثم يمالئونه عليكم، فإن سـألوكم فلا تعطـوهم.. ثـم ذهب إلى غطفان فقال لهم مثل ذلك.. فلما كانت ليلة السبت من شوال بعثوا إلى يهود: إنا لسنا معكم بأرض مقام [ ص: 99 ] وقد هلك الكراع والخف فاغدوا بنا إلى محمد حتى نناجزه.. فأرسلوا إليهم أن اليوم يوم السبت وقد علمتم ما أصاب من قبلنا حين أحدثوا فيه، ومع هذا فلا نقاتل معكم حتى تبعثوا لنا رهائن.. فلما جاءتهم رسلهم قالوا: قد صدقكم والله نعيم.. فبعثوا إليهم: إنا والله لا نبعث إليكم أحدا.. فقالت قريظة: قد صدقكم والله نعيم.. فتخاذل الفريقان» [5] .

3- طريقة تصعيد الأزمة [6]

وذلك حين لا تتضح معالم الأزمة ولا تعرف القوى المحركة لها، فتختار الإدارة هذه الطريقة لمعرفة القوى المحركة للأزمة وسيلة من وسائل التفتيت فيما بعد.

4- طريقة الوفرة الوهمية [7]

وهي طريقة تلجأ إليهـا الدول لمواجهة الطـلب الزائد على سـلعة ما أو عملة نقدية بسبب إشاعة، فتشيع الدولة توفر هذه السلعة وربما تعرض بيعها للناس، ولكن ينبغي التعامل بحذر مع هذه الطريقة.

ويتضـح مما سبـق أن فن إدارة الأزمـة يستلزم التعامل مع الأزمة من خـلال مراحل متتـالية تعمل كلها لتحقيـق هدف واحـد هو في [ ص: 100 ] نـهاية الأمر منع حدوث الأزمة، وتفريغها من حدتها إذا وقعت، وتوقي آثارها السلبية، والتعامل معها لتحويلها إلى فرصة للنجاح والتفوق [8] ، والتأثير النـافع، والقضـاء على أكبر قدر ممكن من الأخطار والآثار السلبية الناتجة عنها.

وإدارة الأزمة في حقيقتها وجوهرها هي الاستعداد والتأهب.. وأي إجراء يخطط مسبقا للتعامل مع أزمة باعتبارها نقطة تحول ويعمل على تقليل الخطر هو شكل من أشكال إدارة الأزمة[9] . [ ص: 101 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية