مقدمة
إن الحمد لله نستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدي الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا؛ وصلى الله على خاتم النبيين والمرسلين، أرسله الله رحمة للعالمين، وهداية للسائلين، وشفـاعة للمؤمنين؛ بسنته تركنا على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها.
يواجه العـالم الإسلامي، ونحـن نقترب من تجاوز العقـد الأول للألفية الثالثة تحديات عدة، لا يمكن حصـرها بمؤلف واحد، فلا يكاد يمضي يوم إلا ونلمس ظهور تحد جديد؛ ولكن يمكن ذكر أبرزها، فالنمو السكاني يكاد يتضاعف كل عشرين عاما، حيث زاد عدد سكان الوطن العربي من 161مليون نسمة عام 1400هـ إلى 300 مليون نسمة عام 1420هـ؛ وليس هنـاك أي بوادر من تلك البلدان لاستيعاب هذه الزيادة، مما يصعب عملية تأهيل واستيعاب هذه الأعداد اجتماعيا للقيام بوظيفتها في الحياة.
يضاف إلى ذلك مشكلات خطيرة تتعلق بندرة المياه، وزيادة التصحر، وندرة مصادر الغذاء; إذ تؤكد تقارير البنك الدولي تقلص موارد المياه في [ ص: 27 ] العـالم الإسـلامي بنحو 80% خلال جيل واحد، وندرة الغذاء الذي يتفاقم في ظل أزمة المياه، مع اعتماد معظم شعـوب الدول الإسـلامية على الزراعة. كما أن نقص الغذاء المتوقع تزداد حدته بالنسبة للأطفال، حيث يشكل نوعا من الإعاقة الجسدية والعقلية والنفسية، والتي تؤثر سلبا على مستقبلنا.
ولقد ظلت بلدان العالم الثالث، وبضمنه عالمنا الإسلامي، ولعقود خلت لاهثة للانتقال من مصاف الدول المتخلفة إلى مصاف الدول المتقدمة، إلا أن الأنماط المستوردة، التي اتبعتها تلك البلدان وسيلة لتحقيق تنميتها ظلت عاجزة عن تحقيق النتائج المرجوة لأسباب شتى، بعضها داخلي والآخر خارجي، إلا أن أهمها هو كون تلك الوسائل غريبة عن بيئة وتصورات العالم الثالث.
وفي محاولة لشحذ الهمم مع نهاية القرن العشرين، حاولت الأمم المتحدة أن تحمل لواء «التنمية» بعد أن فشلت في كثير من بقاع العالم، رافضة النعوت القديمة لها وخالعة عليها وصف «البشرية». وتوالت تقارير البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة منذ عام 1990م وحتى وقتنا الحالي، معرفة ومرتبة دول العالم وفقا لهذا التصنيف الجديد.
وحسب إحصاءات تقرير التنمية البشرية للعام 2008م، الذي أصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، حلت بروناي في المرتبة 27 عالميا، أي الأفضل بين الدول الإسلامية. ونجحت دول مجلس التعاون الخليجي الست [ ص: 28 ] في تحسـين ترتيبها في تقرير التنمية البشـرية للعام 2008 مقارنة مع التقرير السـابق، لكن بنسب متفاوتة. أما عموم دول العالم الإسلامي فقد قبعت في آخر تسلسلات الجدول، بل إن 22 دولة منه صنفت ضمن الدول الأقل نموا في العالم.
وكما هو حالنا (رغبة المغلوب في تقليد الغالب) سارعنا إلى اعتناق هذا العنوان ظانين أنه السبيل الجديد للنجاة، ولا نحاول هنا أن ننتقص من هذا المفهوم أو ذاك، ولكننا نأسـف لحـال أمتنا التي أغفلت كنـزها العلمي الثمين وباتت تفتش عنه هنا وهناك، وأقصد بذلك النموذج الإسلامي للتنمية.
من جهة أخرى، أشارت معظم تقارير التنمية البشرية إلى معضلات كثيرة تواجهها التنمية في هذه البلدان، أبرزها مشكلة توفير الموارد المالية اللازمة للقيام بها، في الوقت الذي نرى أن الإسلام، قد أعد لكل هدف سببا من موارد ووسائل معينة كفيلة بتحقيقه. وسنعرج في هذا البحث على مورد من تلك الموارد ألا وهو «أموال الوقف».