الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              المطلب الثالث: دور الوقف في خلق قطاع متميز داعم للتنمية البشرية:

              الوقف فكرة تقوم على تنمية قطاع ثالث متميز عن كل من القطاع الخاص والقطاع الحكومي، وتحميل هذا القطاع مسؤولية النهوض بمجموعة من الأنشطة، لا تحتمل الممارسة السلطوية للدولة، كما أنه يفيد إبعادها عن الدوافع الربحية للقطاع الخاص [1] .

              إن نمو التكوين الاقتصادي لنظام الوقف كان يعني – في معظم المراحل التاريخية – نموا لقطاع (الاقتصاد الاجتماعي) من ناحية، وكان يحد من إمكانية توسع اقتصاد السوق الرأسمالي في المجتمع العربي من ناحية أخرى؛ لأن دخول بعض الموارد الاقتصادية في دائرة الوقف كان يعني خروجها من نظام السوق، وعدم خضوعها لآلياته المعروفة، وبخاصة في قطاع السلع والخدمات، حيث كان الهدف الرئيس للوقف (الخيري) هو توفـيرها مجانا أو بأسعار رمزية من خلال إنشاء وتمويل مؤسسات ومرافق عامة تقدم أنواعا مختلفة من الخدمات التعليمية والصحية والترفيهية والأمنية، أو ما يمكن أن يطلق عليه (السلع العامة) التي يحتاجها المجتمع بمختلف فئاته [2] .

              لقد تميز النظام الإسلامي عن غيره بإخراجه لقسم من الثروة الإنتاجية في المجتمع من سـيطرة كل من القطاع الخاص والقطاع العام في آن معا، [ ص: 192 ] وتمثل ذلك بالوقف، وتوجيه تلك الأموال للارتقاء والإيفاء بمتطلبات الحاجات الأساسية للإنسان وتطوير التنمية البشرية للجيل الحالي وضمان استمرارها للأجيال المقبلة. ولقد قررت الشريعة السمحاء أن تجعل الوفاء بهذه الحاجات حاجة بشرية، لا تقتصر على المسلمين دون غيرهم بل تغطي جميع أفراد المجتمع، بمختلف دياناتهم ونحلهم.

              إن بروز قطاع ثالث من شأنه أن يخفف عن كاهل الدولة عبء توفير الخدمات الاجتماعية، وفي الوقت ذاته يحد من الربح اللامعقول للقطاع الخاص، ويجعل له منافسا يلزمه بأن تكون أسعاره معقولة عند تقديم الخدمة المطلوبة، وبالمحصلة فإن المستفيد من ذلك سيكون هو المجتمع، وذلك عن طريق حصوله على خدمات مجانية عن طريق الوقف أو بأسعار معقولة من القطاع الخاص وتفرغ الدولة لسد المتطلبات الأخرى التي أغفلت من القطاعين السابقين.

              إن الوقف يمثل موردا إضافيا ممولا للإيفاء بأهداف التنمية البشرية، وبذلك نضمن سد العجز الحاصل في موارد تمويلها والمؤشرة في مختلف بلدان العالم الثالث، الأمر الذي يسهم في سرعة تحقق التنمية البشرية وضمان مصادر تمويلها.

              مما تقدم، يمكن إجمال الآثـار الاقتصـادية للوقف على النشـاط الاقتصادي في الآتي:

              1- بناء كيانات اقتصادية قوية، حيث إن الوقف يمنع بيع العين الموقوفة أو ميراثها أو هبتها أو إجراء أي نوع ناقل للملكية عليها إلا بقصد [ ص: 193 ] إصـلاحها أو تحسـين الفائـدة المرجوة منها. وهذا يعني أن الوقف يمكن أن يكون أداة لعدم تفتيت الثروة الاقتصـادية، ويكون ردا على من يدعي أن الإسـلام يسعى إلى تفتيت الثروة الاقتصادية.

              2- المسـاهمة في التخفيف من مشـكلة البطالة، من خلال توفير فرص عمل لفئات من المجتمع، وذلك من خلال المشـاريع الاسـتثمارية، التي ينهض بها الوقف.

              3- الدور الإيجـابي في إعادة توزيع الدخل، من قبل الفئـات الغنية نحو الفئات الفقيرة.

              4- الأثر الإيجابي للوقف على مجمل الإنتاج القومي، فعوائد الوقف تتوجه نحو أفراد يتزايد لديهم الميل الحدي للاستهلاك، ومن خلال تنظيم هذه العوائد الوقفية يمكن أن تنهض بالطلب الفعال الذي يؤدي إلى زيادة حجم الإنتاج.

              التالي السابق


              الخدمات العلمية