الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              - المطلب الأول: الجذور التاريخية للمفهوم:

              كثيرة هي النماذج التي حاولت البلدان النامية اتباعها للخروج من دائرة التخلف، التي يمكن نعتها بأنها صنعت في مدارس الفكر الغربية، وعلى الرغم من اختلاف مناحي هذه المناهج إلا أنها تلتقي في اعتمادها الجانب المادي أساسا لتحقيق النمو الاقتصادي وخصوصا (عنصر رأس المال) ؛ وحتى «كارل ماركس» الذي أحدث انقلابا في منحى الفكر الاقتصادي عزا عوامل التغيير إلى الجوانب الاقتصادية فقط؛ ذلك لأنه تقليدي النشأة.

              وعلى الرغم من تأثر «شومبيتر» [1] بالنظرية الماركسية، فإن أنموذجه أحدث قفزة نوعية في مفهوم التنمية (عندما ذكر بأن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي تسود المجتمع تؤثر في نموه الاقتصادي ) ، وبهذا يكون هو أول من أكد أهميـة الجانب الاجتمـاعي وأثره في التنمية. ومع أن «أوسكار لانكه» [2] في أنموذجه الثوري للتنمية الاقتصادية أكد أهمية (زيادة إنتاجية العمل) في تحقيق التنمية، إلا أنه أهمل دور العنصر البشري في تحقيق هذه الزيادة [3] . [ ص: 66 ] لذلك برز من دعا إلى إجراء تغييرات شاملة في المجتمع المتخلف، تنقله من مستوى معيشي منخفض إلى مستوى أعلى، إضافة إلى عدد من الإجراءات أهمها إحداث (تغيير قوي وجارف في عقلية الإنسان نفسه وفي تفكيره وثقافته ووضعه الحضاري) [4] ، وبذلك تم تأكيد أهمية العنصر البشري صراحة. غير أن فشل النماذج المستوردة في تحقيق نمو أو تنمية في بلدان العالم الثالث، وفي رد فعل على النتائج المشوهة، التي أحدثتها تلك النماذج، طرحت استراتيجية إشباع الحاجات الأساسية، التي هدفت إلى رفع مستوى معيشة الفرد التي تدهورت بسبب تطبيق الاستراتيجيات التنموية السابقة، إذ أثبتت بشكل ملموس أن التنمية تنهض على أكتاف الفقراء وهم آخر من يستفيد منها [5] .

              وعلى الرغم من أن الأمم المتحدة اعترفت بكون السبعينيات والثمانينيات (عقودا ضائعة) للتنمية، إلا أنه لم يجر أي فعل يؤدي إلى انتشال البلدان النامية من دائرة التخلف.

              وتزامنا مع الآثار الاقتصادية والاجتماعية السلبية التي ألحقتها برامج التكييف الهيكلي في اقتصادات البلدان المطبقة لها، برزت الحاجة إلى تبني [ ص: 67 ] مفهوم جديد للتنمية يعطي الإنسان الدور الأهم والقدرة على النهوض بالتنمية، فتبنت الأمم المتحدة عام 1990م مفهوم «التنمية البشرية».

              يتطلب البحث في تطور هذا المفهـوم الرجوع إلى أصل استخداماته، إذ لم يكن هذا المصطلح شائعا كما هو موجود حاليا، بل الذي شاع حينها هو مفهوم تنمية الموارد البشرية، الذي ورد في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر عام 1962م حول دور الأمم المتحدة في تدريب الكوادر الوطنية لتسريع التصنيع في الدول النامية، حيث نص على أن (الجمعية العامة تعتبر أن مهمة تسريع التصنيع، التي تشكل شرطا لابد منه لتنمية الاقتصادات الوطنية، تتطلب توفير تسهيلات لتأمين التعليم العام وعددا من الكوادر الفنية الوطنية المدربة تدريبا جيدا) . ولقد ظل هذا المفهوم واضحا في أدبيات الجمعية العامة للأمم المتحدة حتى منتصف الثمانينيات، حيث تم اعتبار (تدريب الكوادر الوطنية المؤهلة يشكل جزءا مهما لا ينفصل عن تنمية الموارد البشرية) . [6] اعتمدت الأمم المتحدة التعليم والتدريب نواة أساسية لتحقيق التنمية، حيث حددت ثلاثة أوجه رئيسة لتنمية الموارد البشرية هي [7] : [ ص: 68 ] 1- استخدام أفضل للقوى العاملة، من خلال توفير مستويات أعلى من التشغيل المنتج.

              2- تحسين نوعية القوى العاملة، من خلال التعليم المهني والتدريب.

              3- حفز الدعم الشعبي لجهود التنمية الوطنية وإشراك أوسع للفئات الاجتماعية.

              ولقد ظل التركيز على تنمية الموارد البشرية على حاله طوال الستينيات والسبعينيات إلا إنه صار أكثر توسعا خلال الثمانينيات، وتزايد هذا الاهتمام عندما وضع الجزء وهو (تنمية الموارد البشرية ) ضمن الكل وهو «التنمية البشرية»، كما جرى تأكيد ضرورة النظر إلى مختلف جوانب السياسة الاجتماعية بشكل متكامل [8] .

              ويمكن إجمالا تلخيص مسـيرة مفهوم «التنمية البشرية» عبر العقود، التي سبقت التسعينيات بالقول: «إنها ركزت خلال الستينيات على كونها العنصر المتبقي للتنميـة، وفي السبعينيـات تـم التركيز على تخفيـف وطـأة الفقر وتوفير الحاجات الأساسية، في حين أوضحت الثمانينيات الجانب المهمل» [9] . [ ص: 69 ]

              التالي السابق


              الخدمات العلمية