المطلب الثاني: أهداف التنمية البشرية:
تمارس التنمية الاقتصادية دورا أساسا في تعزيز التنمية البشرية، إلا أنها غير كافية لتحقيقها. ففي الوقت الذي تسعى فيه الأولى إلى إحداث تغيرات كمية ونوعية في المتغيرات الاقتصادية، الكلية والجزئية، تعطي الثانية اهتماما بالغا بالمتغيرات الاجتماعية المتعلقة بخيارات الناس في العيش بمستوى لائق واكتساب المعرفة والارتقاء بالمستوى الصحي.
وفضلا عن المتغيرات الاقتصادية آنفة الذكر، مع إعطاء اهتمام خاص لثمار توزيع التنمية، تسعى التنمية البشرية لتحقيق الأهداف الآتية [1] : [ ص: 82 ]
-1 زيادة نسبة التشغيل:
تولدت عن أساليب التنمية المشوهة التي اعتمدتها البلدان النامية لثلاثة عقود خلت نتائج سلبية، تمثلت في إيجاد قطاع صناعي متطور يستخدم أعلى درجات التقنية مع احتفاظ بقية القطاعات بسمات التخلف واستخدامها للأساليب القديمة. وقد تطلب هذا القطاع المتطور استخدام الأساليب كثيفة رأس المال بغية موافاته بأحدث أساليب التقدم العلمي، وهو الأمر الذي تعجز البلدان النامية عن مجاراته لعدم توفر رؤوس الأموال اللازمة. وفي الوقت الذي كان مرجوا من ذلك القطاع توفير فرص العمل إلا أنه لم يحقق زيادة حقيقية في تشغيل الأيدي العاملة، وإذا ما أضفنا الكم الهائل الفائض الموجود في القطاع الزراعي اتضح لنا حجم البطالة الموجودة في تلك البلدان.
وعليه، ومن أجل تحقيق تنمية حقيقية لابد أن تضع الدولة نصب عينيها هدف زيادة نسبة التشغيل وتخفيف حجم البطالة في بلدها كواحد من الأهداف التي تسعى التنمية البشرية لتحقيقها.
2- الارتقاء بالمستوى المعاشي للطبقات الدنيا من المجتمع:
كان من نتيجة تحقيق النمو غير المتوازن في بلدان العالم الثالث ارتفاع الأجور في القطاع المتطور وانخفاضها في بقية القطاعات، أضف إلى ذلك أن حالة التخلف الموجودة في القطاعات التقليدية لاسيما الزراعة واستخدام الأساليب البدائية في بعض الأحيان أدى إلى انخفاض مستوى الدخل، ليس ذلك فحسب بل أدى إلى زيادة نسبة الفقراء في المجتمع الواحد. [ ص: 83 ] ولا يعد مؤشر متوسط دخل الفرد والارتقاء به دليلا مقبولا على التنمية البشرية، وذلك لأن هذا المؤشر لا يبين حقيقة توزيع الدخل على الفئات الاجتماعية المختلفة أو على الأقاليم أو على طبيعة الأنشطة الاقتصادية المتنوعة. إن التنمية البشرية تحرص على الارتقاء بنمط توزيع الدخل بحيث يشتمل على جميع ما ذكر آنفا. فالتوزيع المتكافئ يقترن عادة بالارتقاء بالمستوى المعاشي للطبقات الدنيا، والعكس صحيح حيث تبقى الأكثرية الساحقة تعاني الحرمان.
لذلك تهدف التنمية البشرية إلى تخفيف نسبة الفقراء، عن طريق إعادة النظر في عملية توزيع الدخل، بحيث تتم محاولة تخفيض هذه النسبة وبقدر معين وعلى فترات محددة. ولا يتم تحقيق هذا الهدف بمعزل عن تحقيق الهدف الأول، إذ أن توفير فرص العمل الملائمة من شأنه أن يزيد الدخل، مما يجسد ترابط الأهداف.
3- إشباع الحاجات الأساس:
لا تهدف التنمية البشرية إلى زيادة الدخل النقدي وحسب، بل تسعى إلى تحقيق زيادة في الدخل الحقيقي، أي زيادة السلع والخدمات (كالغذاء والرعاية الصحية والتعليم الأساس وتوفير السكن، والنقل والمواصلات) لذا فإن نجاح هذه التنمية يتوقف على مقدار النمو المتحقق في زيادة مستوى الإشباع لدى أفراد المجتمع في الأهداف المذكورة. [ ص: 84 ] إن المناداة بهذه الفكرة لم تظهر إلا بعد فشل العديد من التجارب التنموية خلال العقود الماضيـة، إذ أثبتت الوقائـع أن زيادة معدلات النمو لا تعني بالضرورة تحسين أحوال الإنسان والإيفاء بحاجاته الأساس. بل إن الاستراتيجيات التي تبنتها الكثير من تلك البلدان قادت اقتصاداتها نحو التدهور وإلى مزيد من الجوع والفقر وسوء الأحوال المعيشية للغالبية العظمى من سكانها.
لذا كان إشباع الحاجات الأساس هدفا أساسا للتنمية البشرية تتغير فيه الأولويات التنموية وتصبح لصالح إشباع تلك الحاجات. كما أن السـعي إلى الوفاء بالحاجات يؤدي إلى توجه السياسة الإنمائية إلى الداخل وليس إلى الخارج، وعليه فإن برامج الاستثمار والإنتاج سوف تصاغ لغرض توسيع السوق المحلية للإيفاء بحاجات الإنسان المتعددة. وهنا يتجسد جوهر التنمية الحقيقي في تنمية الفرد هدفا ووسيلة وغاية. وبالتأكيد فإن مستوى هذا الإشباع سيكون نسبيا من قطر إلى آخر وستثار جـدالات واسعة حوله، إلا أن توفير هذه الحاجيـات بالمستوى الذي من شأنه تخفيض نسبة الأمية أو نسبة الوفيات أو زيادة عدد السعرات الحرارية قد يكون كافيا لكل بلد حسب ظرفه وحسب إمكانياته المتاحة. [ ص: 85 ]