- المطلب الثالث: الانتقادات الموجهة على النطاق الشرعي:
تحبذ الأديان السماوية على اختلافها، ومن ضمنها الدين الإسلامي، الأهداف العامة التي تسعى التنمية البشرية لتحقيقها والمتمثلة في الارتقاء بالجانب الصحي والتعليمي والدخل الحقيقي للفرد، بل يسعى الدين الإسلامي من خلال آليات عديدة ومتنوعة لتحقيق هذه الأهداف.
إلا أن هناك مبادئ كثيرة تعتمدها برامج التنمية البشرية لتحقيق أهدافها تتناقض ومبادئ الشريعة الإسلامية، منها على سبيل المثال لا الحصر، اعتماد مقررات مؤتمر السكان والتنمية في القاهرة سنة 1995م، ومؤتمر بكين [1] وما صدر عنه من نتائج، يعرف الجميع بطلانها شرعا، مثل إعطاء الحرية الجنسية، والحد من الزواج المبكر وإباحة الإجهاض ... إلخ.
وهي بذلك تسيء إلى مفهوم التنمية وتجعل منه حقا يراد به باطلا، وخصوصا مؤتمر بكين [2] ، الذي يعد من أخطر المؤتمرات، فقد دعت مقرراته الحكومات إلى إعطاء الأولوية لتعزيز دور المرأة وتمتعها بجميع الحقوق والحريات التي يتمتع بها الرجل، وعلى قدم المساواة بدون أي نوع من التمييز، وحماية ذلك. ويدخل ضمن هذه الحقوق والحريات: الحريات الجنسية بأنواعها المختلفة، والتحكم بالحمل والإجهاض، وكل ما يخالف الشرائع السماوية؛ وتطالب الوثيقة الحكومات بتلبية الحاجات التثقيفية والخدمية للمراهقين، [ ص: 95 ] ليتمكنوا من معالجة الجانب الجنسي في حياتهم معالجة إيجابية، كما تطالب بحق المراهقات الحوامل في مواصلـة التعـليم دون إدانة لهـذا الحمل السفاح، ولا تتحدث وثيقة بكين عن الزواج من حيث إنه رباط شرعي يجمع الرجل والمرأة في إطار اجتماعي هو الأسرة، وإنما تعد الزواج المبكر معوقا للمرأة، ومن ثم فهي تطالب برفع سن الزواج وتجريم الزواج المبكر.
إن وثيقة بكين التي أصبحت تدعى بمقررات بكين، التي تم توقيعها من قبل 180 دولة، أضحت أساس المرجعية الكونية البديلة، التي أشارت بوضوح إلى أن الدين يقف عائقا أمام تنفيذ هذه المقررات، ولذا ناشدت هذه المقررات المؤسسات الدينية لكي تساعد على تحويل مقررات مؤتمر بكين إلى واقع، أي أن تصبح المؤسسات الدينية إحدى أدوات المرجعية الكونية الجديدة، التي يتبناها النظام العالمي وسعى إلى فرضها على العالم، والمثير أن تستخدم الوثيقة كلمة (المساواة) للتعبير عن إزالة الاختلافات بين الرجل والمرأة. [3] والحقيقة التي لابد من تأكيدها أن التنمية عموما والتنمية البشرية بصفة خاصة تعاني الكثير من المشاكل التي تحتاج إلى المزيد من العمل الفكري الجاد حتى يمكن توصيفها بدقة ووضع الحلول المناسبة لها، خاصة تلك المشاكل التي فشلت الدول النامية في تجاوزها على الرغم من توافر الموارد الطبيعية والبشرية في أغلبها، الأمر الذي يتطلب التعامل معها ضمن المنظور الخاص للمجتمعات ووفقا لخصوصيتها، وفي ضوء ما تعانيه من اختلالات. [ ص: 96 ]